هل تمل من الروضة الغناء إذا غنى فيها العندليب ، وحل بها الحبيب ، وأطفأ نسيمها اللهيب ، وكذلك الخطيب النجيب ، في خطبه روضات من الجمال ، وبساتين من الجلال ، ودواوين من الكمال .
تقرأ القصة لا تساوي بعرة ، ولا تهز شعرة ، فيلقيها الخطيب الأشدق ، والفصيح المتدفق ، فكأنها السحر دب في كيانك ، وكأنها الخمر هزت أركانك ، تسمع بيت الشعر لا يساوي ريالا ، ولا ترى فيه روعة ولا جمالا ، فيلقيه الخطيب المصقع ، والمتكلم المبدع ، فتبقى من حسنه مبهوتا ، كأنك لقطت ياقوتا .
الخطيب الهدار ، كالسيل الموار ، يقتلع الأشجار ، ويحمل الأحجار ، ويقتحم الأسوار ، لا يرده جدار ، ولا تقف في طريقه دار ، لأن الخطيب يقبل ومعه الآية الآمرة ، والموعظة الزاجرة ، والقصة النادرة ، والحجة الباهرة ، والقافية الساخرة .
تعيش معه في دنيا من الصور والألوان ، وفي عالم من المشاهد والألحان ، كأنك في إيوان ، أو بستان ، أو ديوان .
دعني من الخطباء الثقلاء ، كأن كلامهم لهيب الرمضاء ، أو وهج الصحراء ، أو وجه الشتاء ، لا طلاوة ، ولا حلاوة ، لا إبداع ، ولا إمتاع ، ولا إشباع . قوم لم تركض ألسنتهم في ميدان البيان ، ولم تذق قلوبهم حلاوة القرآن ، ولا تمتعوا بسحر الكلمات ، ولا رشاقة الجمل البالغات ، ولا عرفوا حسن السبك ، ولا براعة الحبك ، هم أحدهم صحف يتلوها على الناس بكرة وأصيلا ، لا تترك في الناس من التأثير فتيلا ، يلوك أحدهم الكلام لوكا ، كأنه يغرز في الأجسام شوكا .
أفصح الناس رسول الهدى ، وإمام الندى ، أبلغ من حضر وبدا ، وأوعظ من راح وغدا .
ما بنى جملة من اللفظ إلا
وابتنى اللفظ أمة من عفاء
منطق يملأ القلوب جلالا
Shafi 8