قال الراوي فلما أبدى كل ما لديه، وقال ما ورد عليه، اتفق رأي الناظرين وأهل الحل والعقد من الحاضرين على أن يجعلوا بينهم حكمًا عادلًا، يكون لقطع النزاع بينهم فاصلا، فقصدوا رجلا عالما بالأصول والفروع، حافظا للآثار الموقوف منها والمرفوع عارفا بالأنساب، مميزا بين الإيماء والألقاب والأتباع والأصحاب، مديد الباع بسيط اليدين في معرفة الخلاف والإجماع، خبيرا بمباحث الجدل، واستخراج مسالك العلل، متبحرا في علوم اللغة والإعراب، مطلعا بعلوم البلاغة والخطاب محيطا بفنون البديع حافظا للشواهد الشعرية التي هي أبهى من زهر الربيع شديد الرمية سديد الإصابة، إذا فوق لفني الشعر والكتابة، الشعر والنظم صوغ بيانه، والنثر والإنشاء طوع بنانه، والتاريخ الذي هو فضيلة غيره فضله ديوانه، فلما مثلوا بين يديه، ووقعت عينهم عليه، قالوا يا فريد الأرض، يا عالم البسيطة ما بين طولها والعرض، واحكم بيننا بالحق، واقض لأينا بالملك أحق.
فقال أيتها الأزهار إني لست كالذي تحاكم إليه العنب والرطب، ولا كالذي تقاضي إليه المشمش ولا التين والعنب، إني لا أقبل الرشا، ولا أطوي الفل على الحشا ولا أميل مع صاحب رشوة، ولا استحل من مال المسلمين حسوة، إنما أحكم بما ثبت في السنة، ولا أسلك إلي طريقا موصلا للجنة، فقصوا علي الخبر لأعرف من فجر منكم وبر، فلما قص عليه كل قوله، وأبدى هينه وهو له.
قال: ليس أحد منكم عندي مستحق للملك، ولا صالحا للانخراط في هذا السلك ولكن الملك الأكبر والسيد الأبر وصاحب المنبر ذو النشر الأعطر، السيد الأيد الصالح الجيد من شاع فضله وانتشر، وكان أحب الرياحين إلى سيد البشر، وأشتمل على ما في
1 / 22