ليبرالية بقشرة إسلامية
بندر بن عبدالله الشويقي
الأربعاء 5 محرم 1433ه
(ماذا لو قرر الشعب تنحية الشريعة؟). دعونا الآن نؤجل هذا التساؤل المفترض رغم أهميته شرعا، وخطورته عقديا. ولنتحدث عن أمثلة واقعية، تشرح الخلل الجلي والانحراف الضخم، لدى من يطلق قاعدة (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة)، ومن يعد الحكم بشرع الله دون تصويت واستفتاء اعتداء على الناس وانتهاكا لحقوقهم، ومن يقول: إن اعتماد مرجعية الشريعة دون تصويت واستفتاء سوف يحول الناس إلى منافقين.
وقبل الدخول في التفصيل، أجد من الضروري هنا التنبيه إلى الفرق الشاسع بين البحث في أصل الحكم الشرعي، وبين البحث في مشروعية الخروج عن هذا الحكم لاعتبارات الضرورة، أو عدم الاستطاعة.
أقول هذا لأني رأيت من أبعد النجعة فاستدل بحال النجاشي في الحبشة، حين لم يحكم في بلده بشريعة الإسلام، فجعل ذلك دليلا على قاعدة (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة).
مثل هذا الاستدلال يجعلك تتوقف كثيرا عند أهلية أصحابه لمناقشة مثل هذه المسائل؛ إذ من المعلوم -عند من يعرف التأريخ- أن النجاشي كان مستضعفا لا نصير له، فكان يخفي إسلامه عن قومه مداراة لهم، وخوفا منهم، فكيف يطلب من مثله الحكم بشريعة الإسلام؟! وكيف يصح الاستدلال بحاله، على حالة الدولة المسلمة المستقرة.
أعجب من هذا وأغرب مسلك من يستدل بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقم دولته بمكة، ولم يفرض على الناس حكم الشريعة! فكيف يمكن أن يخطر هذا الاستدلال ببال من يدرك أن النبي كان بمكة في بلاء وشدة، وكان أصحابه يؤذون أمامه، ويعذبون، ويفتنون عن دينهم، فلا يستطيع الدفع عنهم، ولا يملك إلا أن يأمرهم بالصبر. بل كان هو نفسه يؤذى ويوضع القذر على رأسه الشريفة وهو ساجد عند الكعبة. فالحديث هنا عن إقامة دولة وعن تطبيق الشريعة يطرح علامات استفهام حول مصداقية المستدل. وإن بالغنا في إحسان الظن فسنقول: إننا أمام فقه وفهم يبلغ الغاية في الهشاشة والضعف.
حسنا ... دعونا الآن نطوي مثل هذه الاستدلالات الهزيلة، ولنؤجل البحث في الصور والتساؤلات المفترضة، ولنشرع في الحديث عن الآثار الواقعية لقاعدة (سيادة الأمة، قبل تطبيق الشريعة) ... فما الذي يعنيه هذا التقعيد؟ وهل يعي أصحابه مآلات قولهم؟
لنأخذ مثالا نعايشه هنا في السعودية يشرح الإشكال والخلل في مثل هذا التنظير:
نحن لدينا مرجعية قضائية معلنة هي (شريعة الإسلام). وأدرك -كما يدرك غيري- أن ثمة خروقات واسعة لتلك المرجعية المعلنة. وقد كنا إلى وقت قريب نحسب أن من أهم واجبات المصلحين الإلحاح والمطالبة بتصحيح واستدراك ما نقص، كي يصح لنا أن نقول بحق: (إن مرجعيتنا في الحكم شريعة الإسلام).
لكن حسب نظرية (سيادة الأمة، قبل تطبيق الشريعة)، فإن على المصلحين أن يعيدوا النظر في شرعية مطلبهم هذا. فمن الآن وصاعدا: سيكون من الخطأ ومن الإثم ومن الجرم والاستبداد مطالبة الحكومة عندنا بالتزام شرع الله، لأنها لا تملك الحق في ذلك أصلا؛ إذ ليس لها إكراه الناس على حكم الشرع دون عمل تصويت واستفتاء! فما دامت السلطة ترفض إجراء هذا التصويت، وتأبى القيام به، فإنه لا يحق لها إطلاقا اعتماد الشريعة مرجعية للحكم، ولا يحق لأحد أن يطالبها بهذا!
Shafi 83