ترجمه مختصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
هو النبي الأكبر، والرسول الخاتم العاقب المطهر، صفي الله على الخلائق، ومختاره في العلم السابق، منتهى أنباء السماوات، ومبلغ أسباب الرسالات: أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب - واسمه شيبة - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر - وهو قريش - بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وقد حقق السيد العلامة أبو علامة محمد بن الإمام المتوكل على الله عبدالله بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين: نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة كل واحد من آبائه في (روضة الألباب).
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أنزل قطعة من نور، فأسكنها في صلب آدم فساقها حتى قسمها جزئين فجعل جزءا في صلب عبدالله، وجزءا في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيا، وأخرج عليا وصيا)).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبريل أنه قال: ((يا محمد قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))، وهم زرع إبراهيم الخليل، أسكنهم الله بيته المعظم، وولاهم الحرم المحرم.
وأمه صلى الله عليه وآله وسلم: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
ولد صلى الله عليه وآله وسلم في عام الفيل في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ الإسكندر ذي القرنين عليه السلام.
وتوفي أبوه قبل أن يولد، وتوفيت أمه بالأبواء - موضع بين مكة والمدينة - وله ست سنين.
وكفله جده شيبة الحمد عبد المطلب وتوفي - بعد أن أوصى إلى ابنه أبي طالب - وله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان سنين.
وحكمته قريش في وضع ركن الكعبة وهو في خمس وعشرين سنة، وفيها تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي رضي الله عنها، وتوفيت هي وكافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وناصره أبو طالب قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وبعثه الله إلى الخلق وهو في أربعين سنة.
ونزل إليه روح القدس جبريل الأمين عليه السلام يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وفي بعض السير أنه في شهر رمضان.
وقبضه الله صبح يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين من عام الفيل، وثلاث وعشرين من البعثة، وإحدى عشرة من الهجرة، ودفن صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته المباركة في موضع وفاته.
ولد صلى الله عليه وآله وسلم وبعث وهاجر ودخل المدينة وقبض يوم الاثنين.
صفته صلى الله عليه وآله وسلم :
قال أمير المؤمنين فيما رواه عنه الإمام زيد بن علي عليهم السلام: ((كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون مشربا بحمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق العرنين، أسهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية، كان شعره مع شحمة أذنه إذا طال، كأنما عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته، يجري كالقضيب، لم يكن في صدره ولا في بطنه شعر غيره، إلا نبذات في صدره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وينحدر في صبب، إذا التفت التفت جميعا، لم يكن بالطويل، ولا العاجز اللئيم، كأنما عرقه اللؤلؤ، ريح عرقه أطيب من المسك، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم)).
أولاده صلى الله عليه وآله وسلم :
القاسم، وبه يكنى، وهو أكبر ولده، توفي بمكة، ثم زينب، ثم عبدالله وهو الطيب، ويقال: الطاهر، ولد بعد النبوة ومات صغيرا، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة - توفيت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر وعمرها ثمان وعشرون سنة، وقيل: دون ذلك وهو الأصح، كما أوضحه في طبقات الزيدية، وأفاده ابن حجر في فتح الباري وجامع الأصول، ويدل عليه ترتيب ولادتهم، وفي جامع الأصول أنها أصغر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم رقية. وهؤلاء لخديجة بنت خويلد عليها السلام.
وإبراهيم أمه مارية القبطية.
غزواته صلى الله عليه وآله وسلم :
وغزواته صلى الله عليه وآله وسلم التي شهدها بنفسه: سبع وعشرون غزوة، ففي السنة الأولى: بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمه أسد الله حمزة بن عبد المطلب عليه السلام غازيا، وكان أول جهاد في الإسلام.
وفي السنة الثانية: غزوة (بدر الكبرى) التي اجتث الله بها المشركين، وقتل فيها عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وذلك أنه خرج من صف المشركين عتبة، وشيبة، والوليد رؤساء قريش وأبطالهم، فبرز لهم من صف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي، وحمزة، وعبيده عليهم السلام، فقتل أمير المؤمنين الوليد، وقتل حمزة شيبة، واختلفت بين عبيدة وعتبة ضربتان قتل كل منهما صاحبه، وفي هذه المبارزة أنزل الله تعالى: &
وفي الثالثة: غزوة (أحد)، وفيها قتل أسد الله الحمزة بن عبد المطلب، والشهداء الأبرار رضوان الله وسلامه عليهم، وظهر للوصي: ذو الفقار.
وفيها قتل الوصي عليه السلام بني عبد الدار، وهم أصحاب رايات المشركين.
وفي الرابعة: جلاء بني النضير.
وفي الخامسة: يوم الأحزاب، وقد اجتمع ألوف من أعداء الله يريدون اصطلام الإسلام، كما قال الله تعالى: &
وفي السادسة: صلح الحديبية، ونزول فريضة الحج.
وفي السنة السابعة: فتح الله له خيبر، وظهرت معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبرهم بأن الله يفتح على يد أخيه، وفيها وصل من هجرة الحبشة أخوه جعفر بن أبي طالب عليه السلام.
وفي السنة الثامنة: غزوة (حنين)، وفيها وقف الرسول في وجه العدو، وقد انهزم المسلمون كافة، ولم يبق معه إلا أمير المؤمنين، وعمه العباس، وابنه الفضل، وأربعة من أولاد عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقتل معهم أيمن بن عبدالله ابن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أيمن، فأنزل الله سكينته على رسوله، وعلى هؤلاء المؤمنين الذين ثبتوا.
وفيها: عزوة مؤتة، وقتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، ومن معهم من الشهداء رضي الله عنهم، وفتح الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، وأمره أن يباهل نصارى نجران بأهل الكساء.
وفي السنة التاسعة: بلغ أمير المؤمنين عليه السلام سورة برآءة يوم الحج الأكبر، وفيها: استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة لما خرج إلى غزوة تبوك.
وفي العاشرة: حجة الوداع، وفيها جمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الخلق يوم غدير خم لتبليغ ما أمره الله به في وصيه، وتأكيد ولايته وأخبرهم أنه خلف فيهم كتاب الله وعترته، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
وسراياه: سبع وأربعون سرية، وبعوثاته في الزكاة: اثنتا عشرة بعثة، وكل ذلك مدون في البسائط.
[وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم] :
أخبرنا أبو أحمد الأنماطي بإسناده عن محمد بن إسحاق عن رجاله، أن رسول الله لما غزا غزوة تبوك وكانت آخر غزواته صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إلى المدينة وحج حجة الوداع، ورجع إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا، ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه صلى الله عليه وآله وسلم .
[102] فأخبرنا عبد الله بن الحسن الإيوازي بإسناده عن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده عن أبيه عبد الله بن الحسن عليه السلام قال:لما نزلت سورة &
فقال رسول الله: ((دعن ابنتي))، فلما مضى النصف من صفر سنة إحدى عشرة، جعل رسول الله يجد الوجع والثقل في جسده حتى اشتد به الوجع في أول شهر ربيع الأول، واجتمع إليه أهل بيته ونساؤه، فلما رأت فاطمة أباها قد ثقل دعت الحسن والحسين، فجلسا معها إلى رسول الله، ووضعت خدها على خد رسول الله، وجعلت تبكي حتى أخضلت لحيته ووجهه بدموعها، فأفاق صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كان أغمي عليه، فقال لها: ((يا بنية لقد شققت على أبيك))، ثم نظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فاستعبر بالبكاء، وقال: ((اللهم إني أستودعكهم وصالح المؤمنين، اللهم إن هؤلاء ذريتي أستودعكهم وصالح المؤمنين))، ثم أعاد الثالثة، ووضع رأسه.
فقالت فاطمة: واكرباه لكربك يا أبتاه.
فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم : ((لاكرب على أبيك بعد اليوم))، ثم أمر أن يصب عليه سبع قرب ماء من سبع آبار، ففعل به فوجد خفة، فخرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر، وعلي والفضل بن عباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر، فخطبهم واستغفر للشهداء، ثم أوصى بالأنصار، وقال: ((إنهم لا يرتدون عن منهاجها، ولا آمن منكم يا معشر المهاجرين الارتداد))، ثم رفع صوته حتى سمع من في المسجد ووراءه، وهو يقول: ((يا أيها الناس، سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إنكم والله لا تتعلقون علي غدا بشيء، ألا وإني قد تركت الثقلين، فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما هلك)).
فقال عمر بن الخطاب: وما الثقلان يا رسول الله؟
فقال: ((أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم، وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تذلوا أبدا، فإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإني سألت الله ذلك فأعطانيه، ألا فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب ، أيها الناس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني حتى تنتعشوا لئلا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فإن أنتم فعلتم ذلك - وستفعلون - لتجدن من يضرب وجوهكم بالسيف))، ثم التفت عن يمينه، ثم قال: ((ألا وعلي بن أبي طالب ألا وإني قد تركته فيكم ألا هل بلغت؟)).
فقال الناس: نعم يا رسول الله صلوات الله عليك.
فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول: يارب أصحابي أصحابي فيقول: يا محمد، إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك، فأقول سحقا سحقا))، ثم قام ودخل منزله فلبث أياما يجد الوجع، والناس يأتونه ويخرج إلى الصلاة، فلما كان آخر ذلك ثقل، فأتاه بلال ليؤذنه بالصلاة وهو ملق ثوبه على وجهه قد تغطى به، فقال: الصلاة يارسول الله، فكشف الثوب وقال: ((قد أبلغت يابلال فمن شاء فليصل))، فخرج بلال، ثم رجع الثانية والثالثة وهو يقول: الصلاة يارسول الله.
فقال: ((قد أبلغت يا بلال، فمن شاء أن يصلي فليصل))، فخرج بلال وكان رأس رسول الله في حجر علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن عباس بين يديه يروحه، وأسامة بن زيد بالباب يحجب عنه زحمة الناس، ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية البيت يبكين فقال: ((اغربن عني يا صويحبات يوسف))، فلما رجع بلال ولم يقم رسول الله بعثته عائشة بنت أبي بكر فقالت: يا بلال مر أبا بكر فليصل بالناس، ووجد رسول الله خفة فقام فتمسح وتوضأ، وخرج معه علي والفضل بن عباس وقد أقيمت الصلاة وتقدم أبو بكر ليصلي، وكان جبريل عليه السلام الذي أمره بالخروج ليصلي بهم، وعلم ما يقع من الفتنة إن صلى بهم أبو بكر، وخرج رسول الله يمشي بين علي والفضل وقدماه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما رآه أبو بكر تأخر، وتقدم رسول الله وصلى بالناس، فلما سلم أمر عليا والفضل فقال: ((ضعاني على المنبر))، فوضعاه على منبره، فسكت ساعة فقال: ((يا أمة أحمد، إن وصيتي فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، اعتصموا بهما تردوا على نبيكم حوضه، ألا ليذادن عنه رجال منكم، فأقول سحقا سحقا)) ثم أمر عليا والفضل أن يدخلاه منزله، وأمر بباب الحجرة ففتح ودخل الناس عليه، فقال: ((إن الله لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) ثم قال: ((ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لاتضلون بعدي أبدا)).
فقال عمر بن الخطاب: إن رسول الله ليهجر، كتابا غير كتاب الله يريد.
فسمع رسول الله قوله فغضب، ثم قال لهم: ((اخرجوا عني وأستودعكم كتاب الله وأهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وأنفذوا جيش أسامة، لا يتخلف عن بعثته إلاعاص لله ولرسوله))، ثم جعل يقول: ((اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))، وخرج الناس وأغلق الباب الذي كان على الحجرة، فلما طلعت الشمس وانبسطت، ثقل رسول الله ورأسه في حجر علي عليه السلام والفضل يذب عنه بين يديه، وأقبل رسول الله على علي يساره يناجيه، وتنحى الفضل، فطالت مناجاته، فكان علي عليه السلام يقول: إنه أوصاني وعلمني بما هو كائن بعده.
وقال له: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، بلغ عني تأويل القرآن، وأنت وصيي، وخليفتي في أهلي وأمتي، من والاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني))، فلما فرغ من وصيته إياه أغمي عليه، ثم أفاق وهو يقول: ((بالكأس الأوفى وفي الرفيق الأعلى)) يقولها ثلاثا، ثم رجع الناس اجتمعوا على باب حجرة رسول الله وفيهم عمر بن الخطاب في يده درة يضرب بها الناس، ويقول: إن رسول الله لا يموت، ورجل آخر من بني فهر يقول: &
قال: والناس يبكون وأرادوا الدخول على رسول الله فأبى علي أن يأذن لهم.
وجعل رسول الله يقول أحيانا: ((أين أنت يا جبريل؟ ادن مني)).
وجبريل يجيبه، وهو يقول: يا محمد، أبشر فإنك قادم على ربك.
ودنت منه فاطمة عليها السلام وهو مغمض العين فنادته: يا أبتاه تفديك نفسي، انظر إلي نظرة عسى كرب الموت تغشاني، ولا أراني إلا مفارقة الدنيا بعدك عن قريب أو معك.
فسمع رسول الله صوتها ففتح عينيه، ثم رفع يده فمسح خدها من الدموع، ثم غمض عينيه ساعة فقالت فاطمة: يا أبتاه نفسي لنفسك الفداء، قد ذاب قلبي ورقت كبدي، ولوددت أن نفسي خرجت قبل نفسك، ها أنا ذا بين يديك لا أراك تكلمني، اللهم صبرني، فسمع رسول الله قولها، ففاضت عيناه، ثم قال: ((ادني مني))، فدنت منه وانكبت عليه قد وضعت خدها على خده، فقال لها علي عليه السلام: تنحي عن رسول الله لاتؤذيه، فتنحت وجلست ناحية تسترجع وتدعوه.
ودنت عائشة وقالت: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، انظر إلي نظرة وكلمني كلمة واحدة، وأوصني بأمرك فإني أرى آخر العهد منك ومن كلامك.
ففتح عينيه، فلما نظر إليها قال: ((ادني مني، فدنت منه، فقال: قد أوصيتك قبل اليوم فاحفظي وصيتي، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك ولا تبدلي، يا عائشة تأخري عني)).
قال: ثم دنت منه حفصة فقالت: بأبي أنت وأمي، اجعل لي نصيبا من كلامك، ولا تجعلني من أهون نسائك عليك، وأكرمني بكلمة تطيب بها نفسي طول حياتي.
ففتح رسول الله عينيه ونظر إليها وقال: ((يا حفصة، قالت: لبيك يا رسول، فقال لها: قد أوصيتك قبل اليوم، فاحفظي وصيتي، ولا تبدلي أمري، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك، قومي عني)).
وكلم نساءه امرأة امرأة مثلما كلمها، ثم إن فاطمة عليها السلام جاءت بالحسن والحسين عليهما السلام وقالت لهما: ادنوا من جدكما فسلما عليه.
فدنوا منه وقالا: ياجداه، ثلاثا، ثم بكيا وقال له الحسن عليه السلام: ألا تكلمنا كلمة وتنظر إلينا نظرة، فبكى علي عليه السلام والفضل وجميع من في البيت من النساء، وارتفعت أصواتهم بالبكاء ففتح رسول الله عينيه وقال: ((ما هذا الصوت))؟
فقالت فاطمة: يا رسول الله، هذان ابناك الحسن والحسين، كلماك فلم تجبهما فبكيا وبكى من في البيت لبكائهما.
فقال رسول الله: ((ادنوا مني))، فدنا منه الحسن عليه السلام فضمه إليه وقبله ودنا الحسين منه، ففعل به مثل ذلك، فبكيا ورفعا أصواتهما بالبكاء، فزجرهما علي عليه السلام وقال: لا ترفعا أصواتكما.
فقال له رسول الله: ((مه يا علي...))، ثم قال: ((اللهم إني أستودعكهما وجميع المؤمنين من أمتي)) وغمض عينيه فلم يدع علي عليه السلام أحدا يدنو منه.
فلما ارتفع النهار يوم الإثنين، شخص رسول الله بنظره فقال: ((اللهم الرفيق الأعلى)).
وقال الفضل لعلي: يا أبا الحسن، أغمض عين رسول الله وضم فاه، فوضع علي يده على فم رسول الله وقد خرجت نفسه من كف علي، فردها إلى لحيته وأراد أن يغمض عينيه، فأبصر عينيه قد غمضتا، وضم فوه، ويداه ورجلاه مبسوطتان، فإذا جبريل عليه السلام قد ولي ذلك منه، وهو في وسط البيت يسمعون حسه ولا يرونه.
فقبظه الله إليه يوم الإثنين من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
فصلوات ربي وسلامه وبركاته عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين .
Shafi 26