وذلك أن الناس بأجمعهم مقرون وهم أيضا كذلك بأنه، كما أن من الأشياء ما وجودها ضرورى من غير أن يمكن فيها ألا توجد فى وقت من الأوقات، كذلك فيها أشياء ما عدمها ضرورى ووجودها ممتنع غير ممكن فى وقت الأوقات. وهذا مع ما هو عليه من الظهور هو شىء يقر به جميع من هو سليم الفطرة. وذلك أنه القطر يمكن فيه أن يكون ضلع المربع ولا الثمانية يمكن أن تكون أصغر من الواحدة ولا الثلاثة يمكن أن تكون مساوية اللأربعة ولا الألوان يمكن فيها أن تكون مسموعة ولا الأصوات مرئية ولا الآلهة يمكن أن لا توجد أو تكون مائتة ولا أيضا أشياء أخر كثيرة لا تحصى كثرة.
فان الذين يضعون أن عناية الله، عز وجل، تجرى هذا المجرى مبطلون له بأسره، وذلك أن الأشياء التى هى بطبعها غير ممكنة يحكمون عليها أنها ممكنة. على أن القول بأن الآلهة انما يؤثرون ما كان من الأشياء ممكنا فقط أوجب كثيرا من القول بأن الممتنعة هى ممكنة للآلهة. وذلك أنه بحسب القول الأول يكون كل ممكن، فهو ما كان داخلا فى ارادة الله والداخلة فى ارادة الله انما هى الأشياء التى يمكن فيها أن توجد وتحدث وحدها دون غيرها، من قبل أن الله أعلم بطبيعة الممتنع والممكن من جميع الأشياء. وأيضا فالروية والاهتمام بالأشياء الكثيرة معا ممتنع، فان التصور لأشياء كثيرة معا هو أمر داخل فى أمر الامتناع.
فكما أن الاقتصاص لأشياء كثيرة فى زمان واحد بعينه هو غير ممكن لانسان واحد بعينه، متى رام الا خبار عن أمر كل واحد يصغه بالقول على مثال واحد، كذلك لا يمكن الانسان الواحد الاهتمام معا بأشياء كثيرة، لا سيما ان كانت الأشياء التى الاهتمام بها غير متشابهة. وذلك أن الروية والاهتمام والتعليم هى كلمة ما للنفس على انفرادها من غير قرع يكون بالصوت.
Shafi 15