والعقل أيضا الذى بالقوة إذا تم ونما عقل هذا، لأنه كما أن قوة المشى التى تكون للإنسان مع ولادته تصير إلى الفعل إذا أمعن به الزمان وكمل الشىء الذى به يكون المشى، كذلك العقل إذا استكمل عقل الأشياء التى هى بطبيعتها معقولة، وجعل الأشياء المحسوسة معقولة لأنه فاعل، وذلك أن العقل ليس هو منفعلا بطبيعته من قبل أنه يكون شيئا آخر ويقبل الأثر، بمنزلة الحس، ولكن حاله ضد حال الحس، لأن الحس هو انفعال وقبول الأثر وإدراكه قبول الأثر. فأما العقل فإنه فاعل المعقولات، لأنه إذ كان من شأنه أن يعقل أكثر الأشياء، فإنه معا يكون فاعلها كما يعقلها. غير أن للإنسان أن يتوهم أن العقل يجب أن يقال فيه أيضا إنه منفعل، من جهة أنه قابل للصور. فإن الآخذ قد يظن به أنه انفعل. وهذا أمر وإن كان يشارك فيه العقل الحس، إلا أن كل ما يرسم منهم ويحدد فليس يرسم ويحدد بالشىء المشترك بينه وبين غيره، بل بالخاصة. فلذلك ليس ينبغى أن يرسم العقل بما يشارك به الحس، فلذلك يكون الشىء المشترك للعقل وللحس أخذ الصور وإن كان ليس ذلك فيهما على مثال واحد، والخاص للعقل أن يكون فاعلا لهذه الصور التى يأخذها من بعد أن يعقلها . فالأولى أن يحد بهذا. فلذلك العقل هو فاعل لا منفعل. وأيضا فإن الفعل فيه أقدم، وهو ذاتى له ،لأنه أولا [ولا] يوجد فاعلا للمعقولات ثم حينئذ يأخذها إثر تعقلها ويحدها بأنها كذا، فانه وإن كان افراده الأشياء شيئا شيئا وأخذه إياها يكونان معا، فإن الأول ينفعل مقدما للآخر، فإن هذا هو أخذ الصورة. فكما أنا نقول إن النار فاعلة فى غاية القوة لأنها تفسد كل هيولى تقع فيها وتأكلها — وإن كانت من جهة أنها تأكلها تنفعل، فكذلك فليظن بالعقل الذى فينا الفاعل، لأن الأشياء التى ليس هى بالفعل معقولة هو يصيرها معقولة، لأنه ليس شىء آخر معقول إلا أن العقل إما هو فيها فبالعقل وبذاته، وأما الأشياء التى يصيرها العقل معقولة فإنما تصير أيضا معقولة بالعقل الذى بالفعل. ولذلك إذا لم يكن عقل، لم يكن شىء معقولا، لأنه ليس شىء بالطبع معقولا إلا هو وحده هكذا كما قلنا. ولا يكون الشىء الذى عنه يكون، لأنه إذا لم يكن الشىء المعقول فإنه لا يعقل شيئا، لأن العقل الذى بالطبع المستفاد من خارج إنما يكون معينا للعقل الذى فينا، لأن سائر الأشياء التى بالقوة ليس منها شىء يقوى على أن يعقل ما لم يكن شىء هو بالطبع معقول، والذى هو بطبيعته معقول إذا صار فى الذى يعقل فإنه يعقل، فهو عقل متكون فى الذى يعقل مستفاد من خارج، لا مائت، وهو الذى يثبت الملكة فى العقل الهيولانى حتى يعقل المعقولات بالقوة، لأن الضوء، وهو الفاعل للبصر الذى بالفعل، فإنه هو يرى ومعه، وبسببه نرى الألوان، وكذلك العقل المستفاد يصير علة لنا لأن نعقل، وإذا هو عقل فليس يحيل ذاته عقلا إذ هو بطبيعته عقل، فيتممه ويسوقه إلى خاصياته. فالمعقول إذن بطبيعته هو العقل؛ فأما سائر الأشياء المعقولة فإنما تكون بتلطفه هذا وفعله هذا من غير انفعال منا ويكون عن شىء، لأنه قد كان عقلا من قبل أن يعقل، ولكن بأن يستكمل به الهيولانى، وهو إذا استكمل عقل الأشياء المعقولة فى طبيعتها والأشياء التى هى معقولة بفعله ولطفه، لأن خاصة العقل أنه فاعل وأن يفعل، لا أن ينفعل. ولما أراد أن يرى أن العقل لا مائت، وأن يتخلص من المطاعن التى تلحقه قال بالعقل المستفاد، اعنى ما يلزم فى هذا القول من أن يكون العقل ينزل الأماكن وليس يمكن فيه إذ كان لا جسما أن يكون فى موضع، ولا أن يتحول فيكون مرة فى موضع ومرة فى غيره، وكان إنما قال هذا وشبهه فى العقل على طريق الإشارة، قال إن العقل والهيولى تقال فى كل جسم يقال إنه ثابت كجوهر فى جوهر، وأنه بالفعل أبدا إذا كان فاعلا أفعاله. فمتى يكون من هذا الجسم إذا امتزج امتزاجا من جملة الخلط يصلح أن يكون آلة لهذا العقل الذى هو فى هذا الخلط، إذ كان موجودا فى كل جسم. وهذه الآلة هى أيضا جسم قيل فيها أيضا عقل بالقوة، وهو قوة حادثة عن هذا الاختلاط الذى وقع للأجسام متهيئة لقبول العقل الذى بالفعل. فإذا تشبث بهذه الآلة فحينئد يفعل كما يفعل بالآلة الصانع ذو الآلة، وعلى أنه هيولى،وبهيولى، وحينئد يقدر على أن يعقل، لأن علقنا نحن مركب من القوة التى هى آلة العقل الآلى الذى يسميه أرسطو: «العقل الذى بالقوة» ومن فعل ذلك العقل. فإذا فقدنا واحدا منهما — أيهما كان — فليس يمكن أن يعقل إلا مع أول إلقاء المنى فى الرحم يكون العقل الذى بالفعل إذا كان نافذا أبدا فى كل شىء وكان هو بالفعل. ولكن حينئذ إنما يفعل كفعله فى سائر الأجرام، أى جرم كان. وإذا هو فعل فعل بالقوة التى لنا. فحينئذ هذا يقال له عقل لنا. وحينئذ نحن نعقل، لأنه كما أنا لو توهمنا صانعا مرة يفعل بلا أداة بالصناعة، ومرة بأداة فإنه حينئذ يصير الفعل بالصناعة فى الهيولى. وكذلك العقل الإلهى هو ابدا فاعل، وهو بالفعل، ويصير هو فاعلا لا بآلة إذا تولدت آلة ما بهذه الصفة من خلط الأجسام ومن الفعل، لأنه حينئذ يفعل فعلا هيولانيا، وهو عقل لنا ، وينحل بهذه الجهة ويفارق، من قبل الوجه الذى يفارق، فإنه ليس هو فى موضع وهو يتحرك إلى غيره؛ ولكن لأنه فى الكل فهو ثابت فى الجرم المنحل أيضا لفساد الآلة، كمثل الصانع إذا لقى أداته فإنه حينئذ قد يفعل أيضا، لكن ليس يفعل فى هيولى بلا أداة. فلذلك ينبغى أن كان واجبا أن يظن أن هاهنا عقلا — على رأى أرسطو — إلهيا غير قابل للفساد. فهكذا ينبغى أن نظن به، لا على جهة أخرى.
Shafi 41