بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ولى النعم
مقالة الاسكندر الأفروديسى فى الأشياء العامية الكلية وأنها ليست بأعيان قائمة.
قال الاسكندر إن أرسطو ذكر فى كتابه فى النفس «إن الحى الكلى إما ألا يكون شيئا البتة وإما إن كان قائما، كان أخيرا».
وقد يحق علينا أن نفحص عن ذلك وما معنى قوله «〈إن〉 الحى الكلى إما ألا يكون شيئا البتة وإما إن كان قائما، كان أخيرا».
فنقول إنا قد لخصنا هذا القول فى تفسيرنا ذلك الكتاب تلخيصا جيدا ونحن ملخصون ذلك الآن أيضا وقائلون إن الجنس هو كلى وإن الكلى هو للأشياء، موجود على كلية. فإن لم تكن الأشياء أولا، لم يكن كلى ولا جنس البتة؛ فينبغى إذن أن تكون الأشياء الموجودة أولا، ثم حينئذ يعرض أن يكون لها كلى؛ فتكون عند ذلك الأشياء التى يعرض لها الكلى موجودة بذاتها، فأما الكلى فليس بشىء موجود قائم بذاته، لاكنه يكون عرضا لشىء آخر. شبه الحى، فإنه دال على بعض الطباع، أعنى على جوهر متنفس ذى حس.
Shafi 254
فنقول إن الحى بذاته وطبيعته ليس هو كلى، وذلك أنه 〈ولو〉 لم يكن إلا حى واحد 〈فى العدد〉 فقط، فهو جوهر متنفس ذو حس. وإنما صار كليا، حين صار نعتا على أشياء كثيرة مختلفة الصور. فقد صار الآن اسم «الكلى» من الحى عرضا، لأنه إدا لم يكن 〈فى جوهر شىء موجودا〉، كان فيه عرضا.
فنرجع الآن فنقول إن الجنس هذا كان كليا والكلى عرض جوهر؛ قال أرسطوطاليس لذلك «إن 〈الحى〉 الكلى إما ألا يكون شيئا البتة»، لأنه ليس بموجود وجودا حقا، ولا هو دال على طبيعة ذاتية، أعنى أنه ليست له ذات، لاكنه عرض لبعض الأشياء؛ وإما إن سماه أحد شيئا موجودا، فإنه إنما كان موجودا «أخيرا» بعد ذلك الشىء الموجود فيه العارض له.
وتحقيق ما قال الحكيم ما أنا ذاكره: إذا كان الحى الجزئى، لم ينبغ أن يكون الحى الكلى اضطرارا (لأنه قد يمكن أن يكون حى واحد فقط)، وأما إن كان حى كلى ، 〈كان ينبغى أن〉 يكون حى جزئى اضطرارا.
Shafi 256
وإن نحن رفعنا الجوهر المتنفس المحس، لم يكن الحى الجنسى البتة [به] (وذلك أن الذى ليس بموجود لا يمكن أن يكون فى أشياء كثيرة)؛ وإن نحن رفعنا الحى الجنسى، لم يرفع الجوهر المتنفس المحس، لأنه قد يمكن أن يكون فى حى 〈واحد〉 فقط، كما قلنا آنفا. فلهذه الوجوه التى ذكرت قال الفيلسوف «إن الحى الكلى إما ألا يكون شيئا البتة وإما إن كان قائما، كان أخيرا».
فقد استبان الآن وصح إذن أن الجنس والكلى ليست لهما ذات ولا عين قائم، كما ظن بعض الأولين، لاكنهما عرضان للأشياء المفردة ولبيان عليها.
تمت المقالة، والحمد لله كثيرا، كما هو أهله، لا رب سواه.
Shafi 258