فلما انقضت تلك الأيام القصار، ودخلت أوقات الحج والاعتمار، انتظمنا في سلك قصاد عرفة، في أحسن هيئة وأكمل صفة، ثم تحولنا من مكة إلى المدينة؛ لزيارة صاحب الوقار والسكينة، ووقف الشيخ على المقصورة النبوية، وقال متمثلا بقول أبي شباك أجل السادة الرفاعية المرضية:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها
تقبل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
وبعد الفوز بلثم الأعتاب، وأداء الواجبات في الروضة والمحراب، عدنا إلى أم القرى في سرور، ولذة سرمدية وحبور، والناس يقولون لنا في التحية، بألفاظ عذبة بهية: سعي مشكور، وحج مبرور، وزيارة بالقبول محفوفة، ومواقف في طاعة الله معروفة.
وعزم الشيخ على انتجاع بلاده؛ لاشتياقه إلى تلامذته وأولاده، فالتمست منه الإقامة معي إلى آخر المحرم، فأجاب وتفضل علي بذلك وتكرم، وكنت وقفت على نسبته، وعرفت حقيقة حليته، وثبت عندي أنه من نسل إبراهيم بن المهدي بن المنصور، وأنه اكتسب سواده من أمه التي كانت في لونها كالديجور، فقلت متمثلا بين يديه، بما يحسن إنشاده لديه:
لقد طبت فرعا حيث طبت أرومة
نعم طيب حيث الأصول أطايب
فللورد ماء الورد فرع يزينه
Shafi da ba'a sani ba