يقتل الثعلب بضربه ضربة شديدة من عصا طويلة وقوية، ثم بوضع قدمك على قلبه.
عادة ما تكون الثعالب في البرية حمراء اللون، ولكن من حين لآخر سوف يظهر ثعلب أسود بينها كطفرة وراثية تلقائية. لم يسبق لأبي أن اصطاد واحدا من تلك الثعالب السوداء، إلا أنه كان يعرف أن بعضا منها قد سبق اصطياده في أماكن أخرى، وتربيته على نحو انتقائي لزيادة ظهور الشعيرات البيضاء عبر منطقتي الظهر والذيل، وحينئذ كانت تسمى الثعالب الفضية. وكانت تربية الثعالب الفضية قد بدأت لتوها في كندا آنذاك.
في عام 1925 ابتاع أبي زوجا من الثعالب الفضية، ذكرا وأنثى، وبنى حظيرة لهما بجوار الإسطبل. لا بد أنهما قد بديا في البداية مجرد نوع آخر من الحيوانات يربى في المزرعة، مجرد شيء أكثر غرابة من الدجاج أو الخنازير أو حتى ديوك البانتام؛ شيء نادر ومبهرج مثل الطاوس، يثير فضول الزائرين. لعل أبي حين اشتراهما وأقام لهما الحظيرة اعتبر هذا دلالة على أنه كان يعتزم أن يظل كما هو، أن يكون مزارعا مختلفا قليلا عن غالبية المزارعين الآخرين، ولكن يظل مزارعا.
ولدت أول مجموعة من الثعالب الصغيرة وكان عددها ثلاثة. بنى أبي مزيدا من الحظائر، والتقط صورة لوالدته وهي تحمل الثعالب الصغيرة، كانت تبدو خائفة ولكن جريئة. كان اثنان من تلك الثعالب ذكورا والثالث أنثى، وقد قتل أبي الذكرين في الخريف حين أينع فراؤهما وباع الجلود بسعر خيالي. وبدأت عملية الصيد تبدو أقل أهمية من عملية التربية هذه.
ثم جاءت امرأة شابة في زيارة لهم، كانت ابنة عم من الجانب الأيرلندي؛ مدرسة مفعمة بالحيوية ومثابرة وجميلة، كانت تكبره ببضع سنوات. وسرعان ما أبدت اهتماما بالثعالب، وليس كما اعتقدت والدته أنها كانت تتصنع الاهتمام بغرض جذبه للزواج منها. (فقد تولدت كراهية شبه فورية بين والدته والزائرة، على الرغم من كونهما ابنتي عم!) كانت قادمة من منزل أكثر فقرا، ومزرعة أكثر فقرا بكثير من هذه التي يعيشون فيها، وقد صارت مدرسة بفضل جهودها الذاتية المستميتة. كان السبب الوحيد وراء امتهانها هذه المهنة هو أن التدريس كان أفضل شيء للنساء صادفته حتى الآن. كانت مدرسة حكومية مجتهدة في عملها، ولكن بعض الملكات التي كانت لديها، وتعلم أنها لديها، لم تكن مستغلة. كان من بين هذه الملكات انتهاز الفرص وكسب المال، وهما ملكتان لم يكن لهما مكان في منزل أبي مثلما لم يكن لهما مكان في منزلها، وكان يبدو أنهما ينظر إليهما بازدراء واستنكار في كلا المنزلين، على الرغم من كونهما الملكتين الأساسيتين اللتين تأسست عليهما البلاد (واللتين غالبا ما لم يكن يؤتى على ذكرهما كثيرا كذكر الاجتهاد والمثابرة). أخذت تتطلع إلى الثعالب، ولم تر فيها أي صلة رومانسية بالحياة البرية؛ بل رأت صناعة جديدة وفرصة لتحقيق الثراء . لم تكن تدخر سوى القليل من المال كي تشتري مكانا يمكن أن تبدأ فيه هذا المشروع على نحو جاد. لقد أصبحت هذه السيدة أمي. •••
حين أفكر في والدي في الفترة التي سبقت مولدي، بعد أن اتخذا قرارهما بالزواج، ولكن قبل أن يجعلا زواجهما - في تلك الأيام - قرارا لا رجعة فيه، لا يبدوان فقط عاطفيين وقليلي الحيلة ومغررا بهما إلى حد مذهل، ولكنهما أيضا أكثر جاذبية مما كانا عليه في أي وقت لاحق، وكأنه لا شيء في الحياة آنذاك كان محبطا ومعجزا، وكأن الحياة كانت لا تزال تتكشف عن فرص، وكأنهما كانا يستمتعان بكل أنواع النفوذ والقوة قبل أن يميل أحدهما نحو الآخر. لا يمكن أن يكون هذا حقيقيا بالطبع - لا بد أنهما كانا قلقين بالفعل - فقد كانت أمي قلقة بشأن كونها في أواخر العشرينيات من عمرها ولم تتزوج بعد. لا بد أنهما قد صادفا الفشل بالفعل، وربما اتجه كل منهما نحو الآخر بتحفظات وليس بالتفاؤل الوافر الذي أتخيله، ولكنني أتخيله بالفعل، مثلما نحب جميعا أن نفعل بلا شك، ومن ثم لن نفكر أننا قد ولدنا من نتاج عاطفة دائما ما كانت شحيحة، أو مشروع دائما ما كان يفتقر إلى الحماس. أظن أنهما عندما جاءا واختارا المكان الذي سيعيشان فيه لما تبقى من حياتهما، على نهر ميتلاند غرب وينجهام في بلدة تيرنبيري في مقاطعة هورون، كانا يرتحلان في سيارة تسير على نحو جيد على طرق جافة في يوم ربيعي ساطع، وكانا رقيقين ووسيمين وبصحة جيدة وواثقين من حظهما. •••
منذ فترة ليست ببعيدة، كنت أستقل السيارة مع زوجي عبر الطرق الخلفية لمقاطعة جراي، التي تقع إلى الشمال والشرق من مقاطعة هورون، مررنا بمتجر ريفي خاو عند مفترق طرق، كانت له واجهات قديمة الطراز ذات ألواح زجاجية طويلة وضيقة. في الناحية الأمامية بالخارج، كان ثمة منفذ لمضخات وقود لم تعد موجودة. وبالقرب منه، كانت توجد رابية من أشجار السماق والكرمات المتشابكة وقد ألقيت بها كل أنواع النفايات. كانت أشجار السماق بمنزلة المحفز لذاكرتي ، فنظرت مرة ثانية إلى المتجر. بدا لي أنني كنت هنا يوما ما، وأن المشهد كان مرتبطا بشيء من خيبة الأمل أو الهلع. كنت أعلم أنني لم أقد السيارة على هذا الطريق من قبل في حياتي الراشدة، ولم أكن أظن أنني من الممكن أن أكون قد جئت هنا في طفولتي؛ فقد كان المكان بعيدا جدا عن المنزل. وقد كانت معظم رحلاتنا بالسيارة خارج البلدة إلى منزل جدي في بليث؛ إذ كانا قد استقرا هناك بعد أن باعا المزرعة. وكنا نذهب بالسيارة إلى البحيرة في جودريتش مرة في كل صيف. ولكن بينما كنت أحدث زوجي بذلك تذكرت خيبة الأمل؛ الآيس كريم. حينها تذكرت كل شيء؛ الرحلة التي قمت بها أنا وأبي إلى ماسكوكا في عام 1941، حين كانت أمي هناك بالفعل تبيع الفراء في فندق باين تري الكائن شمال جرفينهيرست.
كان أبي قد توقف هناك للتزود بالوقود عند أحد المتاجر الريفية، واشترى لي آيس كريم. كان المكان منعزلا، ولا بد أن الآيس كريم كان موجودا في الحاوية الخاصة به لفترة طويلة، وربما يكون قد ذاب في مرحلة ما ثم أعيد تجميده؛ فقد كان به كسرات صغيرة من الثلج، الثلج النقي، وكان مذاقه متغيرا على نحو يدعو للكآبة، حتى البسكويت المغلف له كان ناعما وقديما.
قال زوجي: «ولكن لماذا كان عليه أن يسلك هذا الطريق إلى ماسكوكا؟ ألم يكن عليه أن يسلك الطريق رقم 9 ثم يسلك الطريق السريع رقم 11؟»
كان محقا، تساءلت إن كان من الممكن أن أكون مخطئة، من الممكن أن يكون متجرا آخر في مفترق طرق آخر حيث اشترينا الوقود والآيس كريم.
Shafi da ba'a sani ba