كانت هذه بداية نزعة جديدة تتكون لدى العائلة. استجمعت سوزان عافيتها حين عادت ليزي إلى المنزل بما يكفي لكي تخبرها بأن عليها الاختيار بين الرحيل أو البقاء. فقالت ليزي إنها سترحل، ولكن لدهشة سوزان والجميع، طلبت نصيبها من المقتنيات الموجودة بالمنزل. فصل سايمون ما تعين أن تحصل عليه، بعدالة بالغة، وكانت تلك هي الطريقة التي أثث بها منزل فوريست أخيرا ولو على نحو ضئيل. لم يلصق ورق حائط أو تعلق ستائر، ولكن أصبح كل شيء يشع نظافة وبريقا. طلبت ليزي بقرة وستا من الدجاج وخنزيرا لتربيتها، وشرع فوريست في العمل بالنجارة مرة أخرى، وبنى حظيرة بمربطين ومخزنا للتبن. وعند وفاة سوزان، اكتشفوا أنها مدخرة مبلغا كبيرا من المال، وخصص لهما نصيب من ذلك المبلغ أيضا. وتم شراء حصان وعربة، وتزامن ذلك تقريبا مع المرة الأولى التي أصبحت فيها السيارات أمرا معتادا على هذه الطرق. ولم يعد فوريست يذهب إلى عمله سيرا على الأقدام. وفي ليالي السبت كان هو وليزي يستقلان العربة معا إلى البلدة للتسوق. وأصبح لليزي السيطرة والهيمنة في منزلها كأي امرأة متزوجة.
في إحدى ليالي عيد القديسين - وكان عيد القديسين في تلك الأيام وقتا لتدبير الحيل والمكائد الخطيرة أكثر من كونه مناسبة لإغداق الصدقات - تركت صرة على باب منزل ليزي وفوريست. كانت ليزي أول من فتحت الباب في الصباح. كانت قد نسيت عيد القديسين الذي لم يكن أي من أفراد العائلة يعيره أي انتباه، وحين رأت شكل الصرة صرخت بصوت أقرب إلى الدهشة منه إلى الاستياء والضيق. في لفافاتها الصوفية المتهرئة رأت ما أشبه بطفل رضيع، وكانت قد سمعت من قبل عن رضع يتركون أمام عتبات أبواب الأشخاص الذين قد يعتنون بهم. وخطر لها للحظة أن هذا هو حتما ما حدث معها، وأنها قد اصطفيت من دون الآخرين لهذه الهدية وهذا الواجب الإنساني. حينئذ أقبل فوريست من خلف المنزل ليراها تنحني وتلتقط الصرة، وعلى الفور عرف ما بها، مثلما عرفت هي أيضا بمجرد أن تحسستها. كانت عبارة عن كومة من القش ملفوفة في خيش مربوط بحبال بحيث تشبه طفلا رضيعا، وكان الوجه مرسوما بأحد ألوان الشمع في الموضع المناسب على الخيش لإظهار وجه طفل رضيع.
أدرك فوريست المعنى الضمني لذلك، لكونه أقل براءة وسذاجة من ليزي، فانتزع الصرة منها ومزقها إربا وألقى بقطعها الممزقة داخل الموقد.
ارتأى أن هذا كان شيئا من الأفضل ألا تسأل عنه ليزي أو حتى تورد له ذكرا في المستقبل، ولم تفعل مطلقا. ولم يذكره هو أيضا، وبقيت القصة مجرد شائعة ومثارا للتساؤل والتدبر من قبل من تناقلوها. ••• «لقد كرس كل منهما حياته للآخر»، هكذا قالت أمي التي لم يسبق لها أن قابلتهما مطلقا، ولكنها بصفة عامة كانت تشجع العلاقات الأخوية بين الشقيقات والأشقاء غير المدنسة بالجنس.
كان أبي قد رآهما في الكنيسة حين كان طفلا، وربما يكون قد زارهما بضع مرات مع والدته. فقد كانا أبناء عمومة من الدرجة الثانية لوالده، ولم يكن يعتقد أنهما قد سبق لهما أن زارا منزل والديه.
لم يكن معجبا بهما، ولم يعتب أيضا عليهما، بل كان مندهشا بشأنهما.
كان يقول: «إذا تأمل المرء ما فعله أسلافهما والشجاعة التي احتاجوها لكي يبادروا ويعبروا المحيط، فسيتساءل ما الذي حطم معنوياتهما بهذه السرعة الشديدة.»
العمل من أجل كسب العيش
حين كان أبي في الثانية عشرة من عمره وقد اجتاز ما استطاع اجتيازه من سنوات دراسة في المدرسة الريفية، اتجه إلى البلدة لخوض مجموعة من الاختبارات، كانت تسمى اختبارات القبول، ولكنها كانت تعرف عموما باسم «القبول». كانت كلمة «القبول» تعني حرفيا القبول بالمدرسة الثانوية، ولكنها كانت تعني أيضا، على نحو غير محدد، الدخول إلى العالم، عالم الحياة المهنية مثل مجال الطب أو المحاماة أو الهندسة أو التدريس. كان الصبية القرويون يدخلون ذلك العالم في السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى على نحو أسهل من الجيل التالي لهم. فقد كانت تلك الفترة فترة ازدهار ورخاء في مقاطعة هورون وفترة توسع في البلاد. كان ذلك في عام 1913، ولم يكن عمر البلاد قد تجاوز خمسين عاما بعد.
اجتاز أبي اختبارات القبول بتقديرات مرتفعة والتحق بالمدرسة التكميلية في بلدة بليث. كانت المدارس التكميلية تمنح أربع سنوات من الدراسة الثانوية دون السنة النهائية التي كانت تسمى المدرسة العليا أو السنة الخامسة؛ إذ كان عليك أن تذهب إلى بلدة أكبر من أجل ذلك. كان يبدو وكأنه في طريقه لتحقيق ذلك.
Shafi da ba'a sani ba