296

Mantiq da Falsafar Kimiyya

المنطق وفلسفة العلوم

Nau'ikan

والشعور بالتفكير هو صورة من صور العقل أرفع من هذه. فإذا كان العقل هو التفكير في العلاقات، فحسبه أن يكمل ذاته ليدرك في العلاقة التفكير ذاته، ما دمنا قد قلنا فيما سبق أن العلاقة لها نفس طبيعة التفكير.

فالحدس إذن صورة للعقل العلمي وقد بلغ مزيدا من الكمال.

خاتمة

للعلم عند الإنسان قيمة لا تقدر، وحين نقول ذلك، فنحن نسقط من حسابنا ما حققته الصناعة، وعلم الصحة، والطب، من قوة ورخاء للإنسان باستخدام الكشوف العلمية؛ ذلك أولا لأن قيمة هذه الكشوف تتوقف على طريقة انتفاع الإنسان بها، فقد يستخدمها في إفناء بني جنسه، أو في جعلهم ينغمسون في حياة تخيم عليها سعادة تافهة عقيمة، قد تنتهي بهم إلى أن يفقدوا شعورهم ذاته بتفاهة هذه الحياة. ثم إن الكشوف ذاتها لا تعدو أن تكون وسائل، كما قال بوانكاريه: «فمما لا شك فيه أن من الواجب علينا أن نسعى أولا إلى تخفيف بؤس البائسين ولكن من أجل أي هدف؟ إن عدم التألم غاية سلبية، تتحقق قطعا بطريقة أكمل عن طريق إفناء العالم، فإذا كنا نسعى إلى أن نكسب الإنسان مزيدا من التحرر التدريجي من الحاجات المادية فما ذلك إلا لكي يستطيع استخدام الحرية التي سيكتسبها في دراسة الحقيقة وتأملها.»

1

وإنما الذي نعنيه هو الازدهار المعنوي الذي تلقاه الإنسان من العلم. فقد زاده العلم وعيا بالعالم، وأتاح له أن يمد نظرته العقلية إلى ما وراء الحدود التي تفرضها عليه الحواس، إلى حد لا نهاية له. فقد مكنه علم الطبيعة الفلكي وعلم الطبيعة الذري من ارتياد آفاق «العالمين اللامتناهيين» اللذين يتأرجح بينهما الإنسان، كما يقول باسكال، ثم إن العلم قد جعله أكمل شعورا بذاته. فقد كشف له عن العلاقات التي تربط الفرد والنوع بالبيئة البيولوجية والاجتماعية والتاريخية فازداد فهما لذاته، لأنه أدرك بصورة أكمل وأدق، موقعه في الوسط الذي يحيا فيه، وماضيه الحيواني والبدائي. وفضلا عن ذلك، فقد أجاد فهمه لطبيعته من حيث هو كائن مفكر، فالعلم لا يبارى من حيث هو شعور بالتفكير الإنساني. والتفكير الحقيقي، الذي يتكيف مع الأشياء، ويتحرر من الشوائب الحيوانية، ومن الأوهام الاجتماعية، هو التفكير العلمي.

وأخيرا، فقد دفع العلم الإنسان إلى نوع من الزهد، هيأه لممارسة أفضل حياة أخلاقية، وأصدق حياة دينية، ف «التحول عن الهوى البشري» الذي يقتضيه العلم، هو تهيئة لإنكار الذات والإخلاص. وهو من الناحية الأخرى خير طريق للوصول إلى ما هو إلهي. وإذا كانت تلك النظم الدينية الرائعة التي حققها الصينيون والهنود في عصر سقراط قد اضمحلت أو أدركها الفساد، فذلك إنما يرجع في رأينا إلى افتقارها إلى العلم الصحيح، الذي اضطر الشرق بمضي الزمن إلى البحث عنه في الغرب. أما التفكير المسيحي، وهو التفكير الديني للغرب، فلم يتولد بالتأكيد عن العلم، ولكنه يدين للعلم بالكثير من أجل بقائه ونقائه. فالمسيحية قد ألهمت ديكارت نزعته الروحية، وألهمت «كانت» صرامته الأخلاقية. ومذهبا ديكارت وكانت هما قبل كل شيء فلسفتان عمليتان.

وإذن، فإذا كان قوام الحكمة، كما يقول اسبينوزا، في شعور المرء بذاته، وبالعالم، وبالله، أمكننا القول بأن الحكمة لن تجد خيرا من العلم ظهيرا.

Shafi da ba'a sani ba