274

Mantiq da Falsafar Kimiyya

المنطق وفلسفة العلوم

Nau'ikan

مبدأ السببية شرط يتطلبه العقل لكي يتصور حقيقة تعاقب الحوادث، والتعاقب الحقيقي هو التعاقب الذي لا يمكن عكس اتجاهه، ولا يمكن تصوره بالترتيب العكسي دون خلف، كما هي الحال لو تصورنا - على سبيل المثال - نهرا يتجه تياره نحو منبعه. فللواقع اتجاه، لأن الزمان الذي نتصوره فيه له اتجاه المثال، ولو وجدت سلسلة من التصورات تسمح بأن تعبر في أي الاتجاهين حسبما نريد، لما كانت حقيقة، ولكنا نعبر بالفكر أو بالحواس مجموعة من الأشياء هي في حقيقة الأمر مقترنة زمانيا ، كحجرات البيت الواحد مثلا. ولكننا لا نستطيع أن نتصور موت لويس السادس عشر قبل مولده، لأن هذا الموت وهذا الميلاد واقعيان، وحادثان. فالحوادث لا يمكن أن ترجع على أعقابها. وتصور صفة عدم القابلية للرجوع هو ذاته السببية، إذ إن السبب يحدد النتيجة، لا العكس، ولنقل بتعبير آخر، أعمق من الأول، إن المرء لا يستطيع أن يوقن بأن الحادثين متعاقبان إلا إذا أدرك أحدهما بوصفه سببا للآخر. (3) التأثير المتبادل

وكما أن السببية هي أساس التعاقب، فإن التأثير المتبادل هو أساس التزامن، فالحادثان المتزامنان ليسا مجرد حادثين غير متعاقبين؛ بل هما حادثان يؤثر كل منهما في الآخر تأثيرا متبادلا، ومتساويا، فهما يكونان معا جزءا من عالم واحد، وهما مرتبطان، ولو عن طريق الضوء الذي يتبادلانه، والإشعاعات التي تنبعث من كل منهما نحو الآخر، ولقد كان تفكير ديكارت عميقا عندما قال إن الضوء هو الحقيقة الأساسية للكون المادي، وأثبت تقدم العلم فيما بعد أنه كان محقا في قوله هذا. فالضوء (بمعناه العام، أي بمعنى الإشعاع) هو الذي يمثل ماديا وحدة الكون.

أساس الاستقراء عند لاشلييه

فلنفحص الآن الحجج الرئيسية لرأي مشهور في أساس الاستقراء

23

دافعت عنه فلسفة جول لاشلييه في 1871م.

فقد أكد لاشلييه، من وجهة نظر يمكن تقريبها من وجهة نظر «كانت» أن «شروط وجود الظواهر هي نفس شروط إمكان التفكير» (ص41) ولكن أصالة رأي لاشلييه إنما تنحصر في قوله بأن «المبدأ الذي ترتكز عليه معرفتنا القبلية للطبيعة مبدأ مزدوج» (ص69). ويتكون هذا المبدأ من قانون العلل «الفاعلة» وقانون العلل «الغائية» فالقانون الأول ينص على أن كل «ظاهرة متضمنة في سلسلة يتحكم وجود كل حد منها في وجود الحد الذي يليه» ص42، ولكنا ندرك، وسط كثرة الظواهر، وحدة تربط بينها (ص55) وعلى ذلك فهناك قانون ثان «تدمج فيه كل ظاهرة في نسق تتحكم فيه فكرة «الكل» في وجود الحد الذي يليه» (ص42) ولكنا «ندرك وسط كثرة لا يمكن أن تنتج إلا من اعتماد كل جزء منها على «الكل»، فلا بد إذن أن تكون فكرة «الكل» في الطبيعة قد سبقت وجود أجزائها وتحكمت فيه، وإذن ففي الجملة يجب أن تكون الطبيعة خاضعة لقانون العلل الغائية.» (ص79).

ويستخدم لاشلييه القانون الأول ليفسر ما تتصف به سلاسل الظواهر من ترتيب وانتظام بوساطة قانون «الآلية الشاملة»

mécanisme univrsel

وقد يبدو أن مثل هذا التفسير الآلي لصحة الاستقراء يتنافى مع أية طريقة أخرى للتفسير، وأن المرء لا يستطيع أن يسلم في آن واحد بالآلية الشاملة، وبالغائية. ولقد نبهنا برجسون فيما بعد، في كتابه «التطور الخالق» (ص43) إلى أن «الفلسفة الآلية إما أن تقبل أو ترفض بحذافيرها، وينبغي رفضها لو كانت أصغر ذرة من التراب تبدي أي نوع من التلقائية بانحرافها عن المسار الذي تتنبأ به الميكانيكا.» وإذن فكيف نعترف بقانون العلل الفاعلة وقانون العلل الغائية في آن واحد؟ يحدد لاشلييه نفسه هذا الاعتراض بدقة فيقول: «... إن الوجود الموضوعي للظواهر ذاتها يبنى على تسلسلها الضروري فهل يتسنى لنا أن نبحث لهذا الوجود ذاته عن أساس جديد، وهلا تكون الظواهر أكثر حقيقة وموضوعية لأن وحدة السلسلة، التي تؤدي إلى ظهور كل حركة من الحركة السابقة عليها ، تضاف إليها وحدة النسق، التي تؤدي إلى توجيه حركات متعددة نحو هدف واحد مشترك؟ أليس من الواضح، على عكس ذلك أن هذه الوحدة الثانية زائدة تماما، وأن العقل، بدلا من أن يدمجها في الأشياء، يضطر عندئذ إلى انتظارها، كما لو كانت مصادفة سعيدة، ومنحة تتكرم بها الطبيعة.» (ص47).

Shafi da ba'a sani ba