ودراسة هذه العملية لا تكشف لي عن حقيقة القضية، وإنما تكشف لي عن الطريقة التي نقرر بها حقيقة إحدى القضايا.
المنطق العام، فلسفة النحو (التراكيب اللغوية):
ولنقل بعبارة أخرى، إنه من الممكن جدا أن يبدو المنطق كما لو كان تحليلا واعيا للنحو، لا لذلك الجزء من النحو المسمى بدراسة المفردات والأشكال اللغوية (وإن تكن لمعرفة الأشكال بعض الأهمية في دراسة ظاهرة تعدد معاني الألفاظ وعلاقتها بنهاية الكلمات ... إلخ، وهي الدراسة التي تكشف عن علاقات، ومن ثم تحدد على الأقل معالم الطريق الذي نصل به إلى الحقيقة)، بل للجزء الآخر المسمى ب «التركيب اللغوي» فيكون المنطق العام أولا فلسفة للتركيب اللغوي “phil. de la syntaxe”
وبحثا في التركيبات التي تعبر عن عملية التحقق من صحة المعنى، وهو، على الأخص، بحث في الكلمات التي تحدد المراحل الرئيسية لهذه العملية مثل: واو العطف، أو، إذن، لأن، رغم أن ... إلخ، فالمنطق العام هو أولا تحليل واع، يتعلق بأدوات العطف التي تفيد الارتباط والتبعية.
وفضلا عن ذلك، فإن كلمة «لوجوس» التي اشتق منها اسم المنطق في اليونانية، تعبر أصلا عن اللغة، وعن الجزء الإيجابي منها بوجه خاص، أي عن الجزء الذي يقننه التركيب اللغوي على هيئة قواعد ، ومن هنا جاءت المعاني المشتقة من هذا اللفظ القديم: كالاستدلال، والصلة، والحساب، والمنهج، والعلم.
التركيب اللغوي والديالكتيك:
يمكننا أن نصل إلى نتيجة أفضل من هذه، لو درسنا اللغة وهي في غمرة أدائها لوظيفتها وفي أوج مرحلة البحث، أعني إذا صرفنا النظر عن التفكير في النحو الخاص باللغة العلمية المتداولة، التي تهتم بالسلوك العلمي أكثر مما تهتم بالصواب، وبالفعالية العملية أكثر من القيمة العقلية، لكي نفحص لغة البرهان والمحاجة والتفنيد، أي ما كان يطلق اليونانيون عليه اسم الديالكتيك (Dialectique) : وهذه الكلمة تدل على نوع خاص من الحوار (dialogue)
وهو حوار عارف يقظ، يعمل فيه المتحاوران سويا من أجل التمهيد للكشف عن حقيقة يكون اتفاقهما عليها ضمانا لقيمتها، ولقد كان سقراط هو الذي وضع «أسس» المنهج الديالكتيكي في القرن الخامس قبل الميلاد، كما أن المنهج الديالكتيكي كان هو ذاته المنهج المتبع في محاورات تلميذه أفلاطون (القرن الرابع) ثم حاول أرسطو، وهو تلميذ أفلاطون، أن يستخلص قواعده، في نفس الوقت الذي حاول فيه أن يحلل أعم عمليات اللغة المتداولة وأكثرها شيوعا.
تحليل اللغة المتداولة يؤدي إلى الحدود التي تعبر عن تصورات
إذا ما مضينا في تحليل اللغة المتداولة شوطا بعيدا، فإننا لا ننتهي في آخر الأمر، إلى «كلمات» بالمعنى الصحيح، بل إلى ما يسمى بالحدود
Shafi da ba'a sani ba