11
ولكن ما مصدر هذا التأكيد لفردية الواقعة التاريخية؟ ذلك أولا لأن هذه الواقعة تتخذ لها موقعا في زمان لا رجعة فيه، أعني زمانا يحياه الإنسان ويتحدد أولا بالموت المحتوم للفرد، وبمجهود الإنسانية لبلوغ كمالها، على حين أن زمان الأشياء قد يمكن العودة فيه إلى الوراء إلى حد ما، إذا جاز هذا التعبير، ما دام ينقسم إلى مراحل متكررة ومنتظمة، ولا يتجه نحو معلوم. وثانيا لأن الواقعة التاريخية ترتبط بالإنسان الذي يحياها بوصفها حاضرا له، وحدثا فريدا. (3) المنهج التاريخي (أ) تحقيق الواقعة
من ثم كان العمل الأول للمؤرخ هو الاهتداء إلى الواقعة التي اختفت في الماضي، والتثبت منها؛ ولذا كان من الضروري أن يرجع الإنسان من الحاضر إلى الماضي، ولو لم يكن قد تبقى من الماضي شيء استحال الوصول إليه، وإذن فنقطة البدء في المنهج التاريخي هي الوثيقة، أعني الأثر المادي الذي تتركه الواقعة، وبه يمكن الرجوع إلى الواقعة ذاتها. ويمكننا هنا أن نفرق بين الوثائق غير الإرادية التي لم يتحكم أي مقصد في إنتاجها وحفظها، والتي تتمثل بوضوح في الحفريات، وبين الوثائق الإرادية التي حفظت عمدا من أجل إرشاد الأجيال التالية، أو التي تهدف في الحاضر ذاته إلى الدعاية ولا توجه إلى الأجيال التالية. ومن هذا القبيل، الآثار، والنياشين، والنقود ومختلف أنواع الصور. وعندئذ يكون للنقد التاريخي مرحلتان: (1)
فهو يجعل الوثيقة قابلة للاستعمال، ويتثبت من صحتها. ذلك هو النقد الذي يقوم به البحث العلمي، الذي يستعين بعلوم ثانوية عديدة يعتمد عليها التاريخ، كعلم الرسوم
Iconographie (ويشتمل على الصور والتماثيل المنحوتة والنقوش البارزة) إلخ. وعلم الكتابات القديمة
(المخططات) وعلم النقوش
Epigrahpie (كالكتابات على الحجر) وعلم المسكوكات
Numismatique
كالنياشين، وعلم الآثار
Archéologie
Shafi da ba'a sani ba