ولقد دخل عليه أبو الحسن الأزرق يوما، وهو يصنف كتابا، فطلب في حجرته ماء، فلم يجده، فقال: «أتصنف، ولا طعام ولا شراب عندك، وأنت جائع؟»، فوضع قلمه والجزء وقال: «إذا تركت التعليق، هل يحصل الطعام والشراب؟» قال: «لا» فقال: «فلأن أعلق ولا أضيع وقتي أولى».
وكان أبو الحسن الأزرق يمده بالنفقة كثيرا، وكان يحب الأكل معه، فاذا دخل عليه اشترى طعاما ليأكلا جميعا، ولو كان عنده شيء موجود.
وبلغ من أمره في علم الكلام، أن أبا الحسن كان يرجع إليه، وربما حضر عنده يسمع ما يجري.
وورد عليه مسألة في الاجتهاد، من ناحية عضد الدولة، فرأى الصواب أن يجيب عنها الشيخ أبو عبد الله. وهو الكلام في أن كل مجتهد مصيب، وفي الأشبه. وكان يغلو في تعظيم أبي الحسن، حتى قال: «ما رأيت أبا الحسن منقطعا قط، وإن كان الكلام له فإنه يتجلى، وان كان عليه يورد ما لا يعرف معه ذلك».
قال: ومن ظريف أمره أنه يطيل في أماليه، ويختصر في تدريسه، والغالب من حال العلماء خلاف ذلك.
وكان، في بعض الأوقات، ربما يظهر الندم على تطويل أماليه، ويقول: «إن الاختصار أقرب إلى أن ينتفع به، لكني إذا وجدت لنفسي خاطرا، أؤمل أن ينتفع، أحببت أن أمليه، فكان يطول المسألة بالأسئلة لزيادة الايضاح».
وكان شديد التقرر في الطهارة، حتى كان يتخذ لبيت الخلوة نعلا، ولنفس الطهارة نعلا آخر، ولسائر الأعمال نعلا مع ضيق المعيشة.
وبلغ من ورعه، أن الملك عضد الدولة، قد رسم أن يحمل إليه سلة من الطعام لخاصيته، فكان لا يتناول منها شيئا، ويجري في أكله على عادته، ويجمع على ذلك من يأنس به.
Shafi 89