وهنا، نلاحظ تطورا في فكرة الجزء عند المعتزلة، فبينما أوائل المعتزلة، كانوا ينظرون إلى الجزء كنقطة هندسية، متأثرين بمذهب ديمقريطس، نرى الجبائي، وهو من متأخرى المعتزلة، يعترف للجزء بصفات الجسم، فكأن تأثير ديمقريطس على المعتزلة قد ضعف، وازداد تأثير أبيقوروس، على المتأخرين منهم.
كيف تحدث الصفات في الأجسام: يرى العلاف وفريقه، أن كل صفات الجسم أعراض، ناتجة عن الحركة، وليس لها أي وجود ثابت وحقيقي، وهذا عن مذهب ديمقريطس، فعنده الحركة، تعصف بالجواهر منذ القدم، وتوجهها إلى كل صوب في الخلاء الواسع، فتتقابل وتتشابك، وتكتسب سائر الكيفيات المحسوسة من لون، وطعم، وحرارة، وغيرها. ويرى الاسكافي أن الجزء الواحد يحتمل اللون، والطعم، والرائحة ، وجميع الأعراض، إلا التركيب «1».
والجبائي يقول: إن الجوهر، إذا وجد، كان حاملا للأعراض «2».
ويجيز عليه الحركة، والسكون، والممارسة، والطعم، والرائحة إذا كان منفردا.
فحسب قول الاسكافي والجبائي: تكون الأعراض ملازمة للأجزاء، ولا تنفك عنها، وهي التي تعين الأجزاء وتميزها الواحد عن الآخر، فتصبح إذن الأعراض ثابتة وحقيقية، إذ أنها صادرة عن الأجزاء، وليست ناتجة عن مجامعة الأجزاء، كما قال العلاف وفريقه.
وقول الفريق الآخر: ترديد لمذهب «ابيقورس»، مع بعض التصرف، لأن «ابيقورس» يقول:
إن الجواهر ليست متجانسة، ومتى كان الأمر كذلك، فيلزمها أعراض، حتى تميزها الواحد عن الآخر.
Shafi 143