في أبدية فرد ما من أجزاء العالم
وحيث تحققت ما فصلناه ، تبينت أن الصادر الأول من أجزاء العالم أو القديم إن جوزنا وجوده وإن كانا من حيث ذاتهما ومن جهة كونهما ممكنين بالذات يجوز طريان الفناء والعدم عليهما ، لكنهما باقيان أبديان ، يمتنع عليهما الفناء من حيث وجوب وجودهما بغيرهما. فيظهر منه أن العالم بجملته أيضا وإن كان يمكن طريان الفناء عليه من جهة ذاته ، لكنه يمتنع ذلك عليه بالنظر إلى وجوب وجوده بغيره ، لأنه لو جاز عليه ذلك ، أي على مجموع أجزائه من حيث المجموع ، بالنظر إلى غيره ، لجاز طريان الفناء والعدم على الصادر الأول والقديم أيضا ، لأنهما من جملة أجزاء العالم أيضا ، فيظهر منه أن فردا ما من أجزاء العالم أبدي الوجود يمتنع عليه العدم امتناعا غيريا وهو المطلوب. وأيضا نقول لا يخفى أن العالم بجملته معلول للواجب تعالى شأنه ، سواء قلنا بأن كله معلول له بلا واسطة وإن كان لبعضه شرط ، أو بأن بعضه معلول له بواسطة أو شرط ، وبعضه بلا واسطة ولا شرط ، فحينئذ لو جاز طريان الفناء على مجموع العالم بجملته لجاز طريانه على ذلك البعض من المعلول الذي بلا واسطة ولا شرط من جملة اجزائه ، وقد عرفت أنه ممتنع بالنظر إلى العلم بالأصلح ، وكون ذلك الصادر الأول بلا واسطة أصلح من غيره مطلقا ، وأنه لا يمكن له ضد. وعلى تقدير تسليم أنه يجوز أن يقتضي العلم بالأصلح طريانه عليه لجهة لا نعرفها وتسليم أنه يمكن له ضد ، فهذا الضد الحادث أيضا من أجزاء العام البتة ، فيلزم أن يكون هو أبدي الوجود مثل الصادر الأول وفيه المطلوب أيضا. ولو سلمنا طريان الفناء على ذلك الضد أيضا فلا يمكن أن يكون ذلك إلا لحدوث ضده وهكذا فيلزم التسلسل المحال ، ومع ذلك ففيه المطلوب. إذ على هذا التقدير يكون تلك الأضداد المتسلسلة
Shafi 119