في الإشارة إلى مبنى إنكار المنكرين للمعاد
فنقول : لا يخفى على من تأمل في الآيات الواردة في حكاية حالهم ، كالآيات المتقدمة وغيرها ، أنهم إنما أنكروه لشبهة واهية داحضة ، خيلها إليهم الشيطان وأملى لهم.
هي أنهم لما رأوا أن الأبدان تفنى وتهلك وتصير عظاما وترابا ورفاتا وممزقا كل ممزق ، كما هو معلوم بالمشاهدة والعيان.
ورأوا أيضا أن النفس إما جسم أو جسماني في البدن كما هو مذهبهم ، وتصير هي أيضا مثل البدن في الاضمحلال والفناء.
ورأوا أن الجسم جوهر متصل في حد ذاته ، والاتصال لازم لماهيته وحقيقته ، وأنه إذا طرأ عليه الانفصال ، ولا سيما مثل هذا الانفصال والتمزق ، وتبدلت صورته الجسمية ، بل النوعية والشخصية أيضا ، إلى صورة اخرى كالترابية والرفاتية فلا سترة في أنه ينعدم ذلك الاتصال. وتلك الصورة ، فينعدم لازم ذلك الجوهر المتصل ، وانعدام اللازم مستلزم لانعدام ملزومه ، أي ذلك الجوهر المتصل إما بالمرة ، كما هو الظاهر عندهم ، أو بصورته المقومة له مطلقا إن لم يسلم انعدامه بالمرة ، لأجل بقاء مادته أي الهيولى أو الأجزاء الأصلية إن كانت تبقى.
وكذلك رأوا أن النفس تنعدم مثل البدن بانعدامه ، أما إذا كانت جسما أي جرما لطيفا ساريا في البدن فبتقريب السابق ، لأنها تابعة للبدن في الوجود والعدم ، وأما إذا كانت جسمانية وعرضا حالا فيه ، فبالطريق الأولى ، لأنه حينئذ يكون البدن بصورته الخاصة موضوعا لها ، وبانعدام الموضوع ينعدم العرض بالمرة.
ورأوا أيضا أن المعدوم يمتنع أن يعاد ، أما المعدوم بالمرة فبالبرهان الذي سيجيء بيانه ،
Shafi 76