أيضا ، والله تعالى أعلم.
ومنها قوله تعالى : ( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ). (1)
وهذه بمنطوقها حيث قال : ( كل من عليها فان ): تدل على فناء كل من على الأرض من ذوي العقول ، أو فناء كل ما على الأرض من ذوي العقول وغيرهم ، وينبغي أن يكون معنى الفناء في شأنهم كما فصل سابقا.
وبمفهومها حيث قال : ( ويبقى وجه ربك ) تدل على فناء كل شيء سوى وجهه تعالى ، وذاته المقدسة تعالى شأنه ، سواء كان من في الأرض أو من في السماء أو نفس الأرض والسماء وأجزائهما وجزئياتهما ، حيث إن بقاء وجه الرب تعالى أي ذاته وحده كما هو مفهوم الآية ، إنما يكون إذا انعدم ما سواه مطلقا فيرجع مفاده إلى فناء كل شيء سواه تعالى. وينبغي أن يكون معنى الفناء حينئذ كما ذكر أيضا سابقا في فناء كل شيء ، مع أنه يمكن تأويل هذه الآية بما سيأتي من تأويل قوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه )، (2) فانتظر.
ومنها قوله تعالى : ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ). (3) وقوله تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ). (4)
وهاتان الآيتان تشتركان في الدلالة على عروض تلك الحالة التي هي مضمونهما من الفزع أو الصعق على كل من في السماوات ومن في الأرض من ذوي العقول حتى الملائكة أو على كل ما فيهما من ذوي العقول وغيرهم ، إلا أن الاولى منهما تدل على أن تلك الحالة هي الفزع ، والفزع معناه نوع اضطراب وتغير حالة والثانية منهما تدل على أن تلك الحالة ، هي الصعق وهو الموت ، فإن حملت الاولى على الثانية ، فيكون المراد بتلك الحالة الموت ، أو الثانية على الاولى فيكون المراد بها الاضطراب والتغير ، وان لم تحمل إحداهما على الاخرى ، فيكون المراد طروء تينك الحالتين جميعا عليهم ، ولا بعد في أن تطرأ الحالة الاولى أي الفزع أولا ثم تطرأ الحالة الثانية أي الموت ثانيا.
Shafi 239