الأرض والجبال والبحار ، كذلك تدل على عدم كونها قديمة ، إذ لو كانت قديمة ، لما جاز عليها وقوع الفساد ، حيث إن ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه ، إلا أنها لا تدل على انعدام تلك المذكورات بالمرة ، وفسادها بالكلية ، بل إنما تدل على فسادها على تلك الأنهاج المذكورة وعلى الأنحاء التي هي مضامين تلك الآيات الكريمة ، كما يظهر على من تدبر فيها.
ولا يخفى أن تلك الأنهاج والأنحاء ليست بانعدامها بالمرة ، بل إنما هي فساد صورها وزوال هيآتها وعدم بقائها على النهج الذي كانت تلك الأشياء عليه أولا من الوجود والتشخص والصورة والكيفية ، ولعل سر ذلك والله أعلم اقتضاء العلم بالأصلح عند قيام الساعة فسادها ، بأن يخلق أضداد تلك الصور ، فتطرأ عليها ، وحيث كانت موادها قابلة لكلا الضدين ، قبلت أضدادها ففسدت عنها تلك الصور الأول ، لكنها باقية في الحالين حيث لا دليل على فسادها في ذاتها.
وبالجملة فهذه الآيات ونحوها ، لا تدل على انعدام تلك المذكورات بالمرة حتى بموادها ، ولا دليل آخر أيضا عليه ، بل إنما تدل على انعدامها بصورها وهيآتها ووجوداتها الخاصة ، ويمكن بقاء موادها ، ولا ضير فيه ، لو قلنا بحدوث تلك المواد وبقائها بعد وجودها لأجل عدم كونها قابلة للفساد ، كما في النفس الإنسانية ، ومن هذه الجهة ليس في ذلك انعدام تلك الأشياء بالمرة ، فلذا يجوز إعادتها لو فرضنا إعادتها ، مع أنا لو قلنا بوجود نفس مجردة متعلقة بالأفلاك وما فيها كما هو مذهبهم ، وقلنا ببقاء تلك النفوس بعد خراب الأفلاك وفساد صورها وهيآتها كما أشرنا إليه سابقا ، لكان عدم انعدام الأفلاك وما فيها بالمرة أظهر ، إذ النفوس المتعلقة بها باقية وكذا موادها. والله أعلم.
Shafi 237