[وأما العمل؛ فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائز المخلوقة في النفس] (^١)، وغرائزهم أطوع للخير، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعةً قابلة للخير معطَّلةً عن فعله، ليس عندهم علمٌ منزَّلٌ من السماء، ولا شريعةٌ موروثة (^٢) عن الأنبياء، ولا هم مشتغلون ببعض العلوم العقليَّة، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيَّامهم، أو ما احتاجوا إليه من دنياهم من الأنواء والنجوم، أو من الحروب.
فلما بعث الله محمدًا ﷺ بالهدى الذي ما جَعَلَ اللهُ -ولا يجعل- أمرًا أجلَّ منه ولا أعظم قدرًا، وتلقَّوه عنه بعد مجاهدته الشديدة ومعالجته، حتى نقلهم عن تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فِطَرها (^٣)، فزالت تلك الرُّيون (^٤) عن قلوبهم، واستنارت بهدي الله، فأخذوا ذلك الهدي بتلك الفطرة الجيِّدة، فاجتمع لهم الكمالُ بالقوةِ المخلوقة فيهم، والكمالِ الذي أنزله اللهُ إليهم.
بمنزلةِ أرضٍ جيِّدةٍ في نفسها عُطِّلت عن الحرث، فنبتَ فيها شوكٌ ودغل (^٥)، وصارت مأوى (^٦) الخنازير والسِّباع، فإذا طُهِّرت عن المؤذي
_________
(^١) إضافة لازمة من "الاقتضاء": (١/ ٤٤٧) ليتم المعنى.
(^٢) في الأصل: "مورثة" والمثبت من "الاقتضاء".
(^٣) كذا بالأصل، وفي "الاقتضاء": "فطرتها".
(^٤) أي: دنس القلوب.
(^٥) كذا في الأصل، وهو الشجر الكثير الملتفّ. وفي "الاقتضاء": "نبت فيها شجر العضاه والعوسج".
(^٦) رسمها في "الأصل": "موي" والتصويب من "الاقتضاء".
1 / 72