وروى الترمذيُّ في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] أنهم من أبناء فارس (^١) .
إلى غير ذلك من آثار رُوِيت في فضل أبناء فارس، ومِصْداق ذلك ما وُجِد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي، مثل: الحسن، وابن سيرين، وعكرمة، ومن بعدهم، فيهم من المبرِّزين في الإيمان والدين والعلم ما لا يُحْصَون كثرةً على ما هو معروف، إذ الفضل الحقيقيُّ هو اتباع ما بَعَثَ الله به رسولَه محمدًا من الإيمان والعلم باطنًا وظاهرًا، فكلُّ من كان فيه أكمل (^٢) كان أفضل، فالفضل بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة، لا بمجرَّد كون الإنسان عربيًّا أو عجميًّا، أو أبيض أو أسود، أو قرويًّا أو بدويًّا.
وإنما وجه النَّهي عن مُشَابهة الأعراب والأعاجم -مع ما ذكرناه من الفضل فيهم وعدم العِبْرة بالنسب والمكان- مبنيٌّ على أصل وهو: أن اللهَ سبحانَه جعلَ سُكْنى القُرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقَّة القلوب ما لا تَقْتضيه سُكْني البادية، كما أن البادية توجِبُ من صلابة البَدَن والخَلْق، ومتانة الكلام ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل، وإن جاز تخلُّفُ هذا المقتضي لمانع، وكانت البادية -أحيانًا- أنفع من القرى، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف:١٠٩] وذلك لأن الرسل لهم الكمال في عامة الأمور حتى في النسب.
_________
(^١) الترمذي رقم (٣٢٦٠)، وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية عن أبي هريرة -كما في "الدر المنثور": (٥/ ٥٥) -.
(^٢) في "الاقتضاء": (١/ ٤١٥): "أمكن".
1 / 66