قلت: وهذا فيه خلاف؛ هل يُلْزَمون هم بالتغيير أم الواجب إذا امتنعوا أن نُغيِّر نحن؟ أما وجوب أصل المغايرة؛ فما علمتُ فيه خلافًا.
وإذا كان عمر وسائر الصحابة والفقهاء والملوك قد اتفقوا على منعهم من إظهار شيءٍ من خصائصهم، فكيف إذا عملَها المسلمون وأظهروها لهم (^١) !؟
وقد أمر الصحابة والمسلمون بترك إكرامهم، وإلزامهم الصَّغَار الذي شرعه الله، ومن المعلوم: أن تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها نوعٌ من إكرامهم، فإنهم يفرحون ويُسَرُّون، كما يغتمُّون بإهمال دينهم الباطل.
ورأى أبو بكر الصديق امرأةً من أحمس لا تتكلَّم، فقال: ما لها؟ فقالوا: حجَّت مصمتة، فقال لها: تكلَّمي فإن هذا لا يحلُّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمت ... الحديث. رواه البخاري (^٢) .
فدلَّ على أن كلَّ عملٍ من أعمال الجاهلية منهيُّ عنه، مثل: المُكَاء والتصدية. والمكاءُ: الصفير ونحوه. والتصدية: التصفيق.
ومثل: بروز المُحْرِم وغيره للشمس، حتى لا يستظل بظلٍّ، أو تَرْك الطواف بالثياب المتقدمة، أو ترك كل ما عُمِل في غير الحرم، ونحو ذلك من أمور الجاهلية التي كانوا يتخذونها عباداتٍ، لا يجوز التعبُّدُ بها في الإسلام ألْبتة.
_________
(^١) ليست في "الاقتضاء"، وفي بعض نسخه: "هم"، وكلا الأمرين أصح مما في الأصل.
(^٢) رقم (٣٨٣٤).
1 / 57