للحقِّ، كقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧]، قال أصحابُ محمد: كل من عمل سوءًا فهو جاهل (^١) .
وسبب ذلك: أن العلمَ الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفُه من قولٍ أو فعل، فمتى صدر خلافه فلا بُدَّ من غفلة القلب عنه، أو ضعفه بما يُعارضه، وتلك أحوال تُناقِض حقيقةَ العلم فيصير جهلًا بهذا الاعتبار، ومن هذا يُعرف دخول الأعمال في مُسمَّى الإيمان حقيقةً لا مجازًا، وإن لم يكن كل من ترك شيئًا من الأعمال کافرًا ولا خارجًا عن أصل مسمَّى الإيمان، وكذلك اسم "العقل" ونحوه من الأسماء.
ولهذا يُسمِّي الله -سبحانه- أصحاب هذه الأحوال: موتى، وعُمْيًا، وصُمًّا، وبُكمًا، وضالين، وجاهلين، وأنهم: لا يعقلون، ولا يسمعون.
إذا ثبت (^٢) ذلك: فالناس كانوا قبل مبعث الرسول في حال جاهلية، منسوبة إلى الجهل، فإنَّ ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل، وإنما يفعله جاهل، وكذلك كلُّ ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية أو نصرانية فهي جاهلية، وتلك كانت الجاهلية العامة، فأما بعد مَبْعث الرسول فالجاهلية المطلقة قد تكون في مِصْرٍ دون مِصر، كما هي في دار الكفار، وقد تكون في شَخْص دون شخص، كالرجل قبل أن يُسْلم، فإنه في جاهلية، وإن كان في دار الإسلام.
_________
(^١) انظر تفسير الطبري: (٣/ ٦٤٠).
(^٢) كذا بالأصل، وفي "الاقتضاء": "تبين".
1 / 47