فصْلٌ (^١)
إذا تقرَّر ذلك، فقد دلَّ الكتابُ والسنةُ والإجماعُ على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة، سواء كان عامًّا في جميع أنواع المخالفات، أو خاصًّا ببعضها، وسواءٌ كان أمرَ إيجاب أو أمرَ استحباب.
أما الكتاب؛ فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (^٢) [الحديد: ١٦].
وقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ إلى أن قال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)﴾ [الجاثية: ١٦، ١٨].
فأخبر أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيًا من بعضهم على بعض، ثم جعل محمدًا على شريعةٍ وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، فدخلَ فيهم كلُّ من خالف شريعتَه.
وأهواؤهم هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل.
ومن هذا قوله: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ﴾ إلى أن قال:
_________
(^١) "الاقتضاء": (١/ ٩٥).
(^٢) الآية ليست في "الاقتضاء".
1 / 29