في النار من أهل التوحيد أحد، وأقرُّوا بما جاءت به السنة من انتفاعِ الإنسان بدعاء غيره وشفاعته، والصدقة، بل والصوم عنه في أصحِّ قولي العلماء، وقالوا: إن الشفيع يطلب من الله ويسأله، ولا تنفع الشفاعةُ إلَّا بإذنه ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨].
وفي "الصحيح" (^١) أنه قال: "أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يومَ القيامةِ: مَنْ قَالَ: لا إله إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بها وَجْهَ اللهِ" فكلما كان الرجلُ أتمَّ إخلاصًا لله كان أحقّ بالشفاعة. وأما من عَلَّق قلبَه بأحدِ المخلوقين؛ يرجوه ويخافه؛ فهو من أبعدِ الناسِ عن الشفاعة.
فشفاعةُ المخلوقِ عند المخلوق [تكون] (^٢) بإعانة الشافع للمشفوع له بغير إذن المشفوع عنده، بل يشفع إما لحاجةِ المشفوع عنده إليه وإما لخوفه، فيحتاج أن يقبل شفاعتَه، والله -تعالى- غنيٌّ عن العالمين، وهو وحده يُدَبِّر العالمين كلّهم، فما من شفيع إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشفيع، وهو يقبل شفاعته كما يُلهم الداعي الدعاء ثم يجيب دعاءَه، فالأمر كلُّه له.
فإذا كان العبد يرجو شفيعًا من المخلوقين، فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة، ولا يقبل شفاعته.
وأفضل الخَلْق محمد ﷺ، ثم إبراهيم ﷺ، وقد امتنع النبيُّ ﷺ أن يستغفر لعمه أبي طالب بعد أن قال: "لأَسْتَغْفِرَنَّ لك مَا لم أُنْهَ عَنْك" (^٣)