وأجاب عن حجة الأولين بلفظ: فالتوزيع لهذه العقوبات المذكورة في الآية كما ذكره المصنف تقييد لكتاب الله بلا دليل، بل بمجرد القال والقيل، ولا يلزمنا اجتهاد مجتهد من الصحابة أو أكثر ما لم يكن إجماعا منهم على أن المروي عن ابن عباس في توزيع العقوبات المذكورة في الآية على الصفة التي ذكرها المصنف لم تكن في شيء من دواوين الإسلام، وإنما أخرجه الشافعي من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو ضعيف لا تقوم بمثله حجة، كما هو معروف عند أهل الفن انتهى.
وأجاب الأولون: بأن الخبر لم يكن مقيدا لكتاب الله، بل هو مبين للآية، والبيان جائز عند علماء الأصول، وحديث ابن عباس أخرجه البيهقي في (سننه) وهي أجل دواوين السنة، ورواية (المجموع) مؤيدة لها، وإبراهيم وثقه الشافعي، وبأنه ليس من صدر منه أقل إخافة كمن طالت منه، ولا من قتل واحدا كمن قتل جماعة، ولا من أخذ قليل المال كمن أخذ كثيره، كما يشهد بذلك موارد أحكام الجنايات والمعاصي المتعلقة بحقوق الآدميين، وحينئذ فلا بد من النظر فيما صدر من قطاع الطريق من المحاربين، فمن جمع بين القتل وأخذ المال قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم صلبوا، ومن أفرد القتل قتل، ومن أفرد أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض، وجعلوا العقاب متنوعا بتنويع سببه، وأو للتنويع انتهى كلامهم ملخصا من (الجامع الكافي)، وغيره.
وقد ذكر في (المنهاج الجلي) و(البحر) و(فتح الباري) وغيرها ما يؤيد ذلك.
Shafi 157