وأورد الخطيب أبوبكر في تاريخ بغداد: قال علي بن المديني: أيَّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما، بأبي بكر الصديق ﵁ يوم الرِّدة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة١.
وقال ابن عدي الحافظ: جميع الأحاديث المروية عن رسول الله ﷺ تدور على هذين الرجلين، يعني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فما قبلاه فهو المقبول وما ردَّاه فهو المردود.
جاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل] ١٣٥/أ [وهو مريض فسلَّم عليه، فلم يرد السلام، وكان أحمد قد حلف بالعهد أن لا يكلّم أحدًا ممن أجاب في الفتنة حتى يلقى الله، فما زال يعتذر ويقول: حديث عمار وقال الله تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَان﴾ ٢ فحوَّل أحمد وجهه إلى الجانب الآخر فقال يحيى: لا تقبل عذرًا، فخرجت بعده وهو جالس على الباب فقال: إيش قال أحمد بعدي؟ قلت: قال: يحتج بحديث عمار وحديث عمار: مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم. فسمعت يحيى بن معين مُسِّر: يا أحمد غفر الله لك، فما رأيت والله تحت سماء الله أفقه في دين الله منك٣.
١ تاريخ بغداد ٤/٤١٨، والذهبي في سير الأعلام ١١/٢٠١.
٢ سورة النحل /١٠٦.
٣ ذكره ابن الجوزي في المناقب ص٤٧٤، ٤٧٥ وقال ابن الجوزي: إذا ثبت أن القوم أجابوا مكرهين فقد استعملوا الجائز، فلمَ هجرهم أحمد؟. فالجواب من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن القوم توعدوا ولم يضربوا فأجابوا، والتواعد ليس بإكراه، وقد بان هذا بما ذكرناه من حديث يحي بن معين.
والثاني: أنه هجرهم على وجه التأديب ليعلم تعظيم القول الذي أجابوا عليه، فيكون ذلك حفظًا لهم من الزيغ.
والثالث يقال: إن معظم القوم لما أجابوا قبلوا الأموال وترددوا إلى القوم وتقربوا منهم، ففعلوا ما لا يجوز، فلهذا استحقوا الذم والهجر. اهـ