* بسم الله الرحمن الرحيم
* مقدمة التحقيق
قضية الامامة من قضايا الاسلام الكبرى ، بل هي اكبرها بل كل ما حدث في الاسلام من القضايا منحدر منها ، ومتفرع عنها ، وقد حصل الخلاف فيها والنزاع عليها يوم لحق الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالرفيق الأعلى بل وقبل أن يوسد في الثرى وهذا من المسلمات التي لا مرية فيها ، وانقسمت الأمة الواحدة الى مذاهب يطول عرضها ، سنة وشيعة ، اشاعرة ومعتزلة إلى آخر ما هنالك.
وصار لكل مذهب من هذه المذاهب أصوله وفروعه التي يتميز بها عن المذهب الأخر ، بل تشعب المذهب الواحد الى شعب متفرقة ، ولم يقتصر خلافهم على مسألة الامامة فحسب ، فهم بعد ان آمنوا بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر ، اختلفوا في صفاته سبحانه وتعالى ، كما اختلفوا في الأنبياء من حيث أفضليتهم على الملائكة أو أفضلية الملائكة عليهم ، وفي عصمتهم وعدمها ، واذا كانت هل هي قبل النبوة أو بعدها ، وهل هي من كبائر الذنوب وصغائرها ، وهل في التبليغ وغيره ، وفي القرآن الكريم من حيث القدم والحدوث ، وفي المعراج هل هو بالروح أو الجسد أو بهما جميعا ، وفي القبر ونعيمه وعذابه ، وفي خلق الجنة والنار وعدمه الى آخر ما هو مسطور في كتب الملل والنحل.
Shafi 5
ولم يقتصر الخلاف على الأصول والعقائد بل انسحب على الفروع بقسميها التكليفي والوضعي ، وربما اختلف أهل المذهب الواحد في المسألة الواحدة في كثير من مسائل العبادات والمعاملات تعرف ذلك بأول نظرة الى الكتب التي حفلت بالفقه المقارن ومسائل الخلاف.
وكل ما ذكرنا فرع عن الخلاف في الإمامة. وليت الخلاف اقتصر على الكلام والجدل بل تخطاه الى ما هو أدهى وأمر فكم قامت من حروب ، وسفكت دماء ، وهتكت حرمات ، واستبيحت محرمات ، وبيعت ضمائر ، واشتريت ذمم وقد وصف ذلك عالم من علماء الازهر وكاتب من كتاب مصر صفة لم يسبق فيها.
يقول الشيخ عبد الله عفيفي في كتابه القيم «المرأة العربية في جاهليتها واسلامها 2 / 135» : ما زال المسلمون منذ لحق النبي بربه وهم من أمر خليفته ، والقائم بالأمر من بعده ، في فتنة غاشية تعصف بهم تارة وتقر دونهم رابضة مترصدة متحفزة تارة أخرى ، فهي يومئذ غافية غفوة الذئب نائمة هاجعة ساكنة مستجمعة ، كذلك تدافعت الحقب على الخلافة والدم ينغر من حروفها ، والمهج تسيل على أطرافها ، وشفار السيوف تصل من أقطارها ، ورسل الموت رائحة بأسود الغابة ، وفتيان الضراب من كل معتزم لو جرد في سبيل الله عزمته لفل بها الصفوف ، وجندل الالوف ..». حتى قال الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 27 : «أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ، إذا ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سل على الإمامة في كل زمان» فمن يوم الدار الى يوم الجمل وصفين والنهروان ، ثم من فاجعة كربلاء الى يوم الحرة إلى انتهاك حرمة البلد الحرام والمسجد الحرام والى آخر ما تعرض له التاريخ في طوله وعرضه ، ولعل ما خفي على الناس أكثر ، اذ أن التاريخ كتبته السياسة ، وليس بوسع الباحث أن
Shafi 6
يطمئن الى كثير مما نقل فيه.
وليست لتلك البداية نهاية إلا أن يشاء الله تعالى فما زلنا نقاسي آلام تلك الفتن والمحن ونتجرع مرارتها.
وعسيت أن تقول كما قال بعضهم : إذا كان الأمر كذلك فلما ذا «لا يسد هذا الباب ، لأن وجود الامام الذي ترتضيه الأمة وتتفق عليه متعذر ، لأن آراء الناس مختلفة ، وأهواءهم متباينة ، وقلوبهم شتى ، وهذا يستدعي إثارة الفتن ، وقيام الحروب ، والتجربة التي مر بها الاولون يجب أن يعتبر بها التالون ، فاللازم ترك هذا الأمر والابتعاد عن هذا المحذور».
وهذا القول قد يروق لبعض الناس ، ويروونه جميلا في ظاهره لو لا الوقوع في محذورين :
الاول
** :
ويحكموا فيهم بغير ما أنزل الله سبحانه.
الثاني
** :
يكمل الدين ولا يتم الايمان إلا به ، ولا يقوم الاسلام إلا عليه ، لتعلق أمور الدنيا والآخرة بها ، لأن القرآن الكريم ينادي : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) (1) والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) والله لا يريد أن يطبق في الارض إلا حكمه ( إن الحكم إلا لله ) (2). ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) (3). ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... عليهم
Shafi 7
الظالمون ... هم الفاسقون ) (1) والقرآن لم ينزل ليوضع بين يدي الحكام للحلف به والحكم بغيره ، أو لتفتتح به الاذاعات ، ثم يعقبه ما لا يرضي الله تعالى ، أو ليكون زخارف تعلق على الجدران ، او تمائم تناط بالاعناق ، او ليتلى في المآتم ، أو ينقش على ألواح القبور ، أو ليطرح عليها ، القرآن انزل للاحياء لا للأموات ، وللعمل لا للتلاوة فحسب.
وهيهات أن تنفذ أحكامه ، وتقام حدوده ما لم يكن بين الناس من يؤتمن على حفظه ، ويقوم بتطبيقه ، ولا يمكن أن يقوم بهذه المهمة ، او يضطلع بهذه المسئولية إلا شخص له صفات خاصة تؤهله لهذا المقام الاسمي ، وذلك هو الذي تجب طاعته ، ويلزم اتباعه ، لأنه خليفة الرسول ، والقائم مقامه ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (2) وهو ولي الأمر الذي أمر الله تعالى باتباعه ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (3) وموضع ذي بال كهذا لا بد أن ينال من اهتمام العلماء على اختلاف مذاهبهم ما لم ينله موضوع سواه ، ولذا كثرت المؤلفات في الإمامة من صدر الاسلام والى يوم الناس هذا حتى تجاوزت العشرات بل المئات من المجلدات تعرف ذلك بمراجعة معجمات الرجال ، وفهارس الكتب ، عدا من تعرض لذلك ممن خصصوا لهذا الموضوع في كتبهم أبوابا ، أو تعرضوا لذكره استطرادا ، وقد طال الكلام فيها وعرض ، في وجوبها وعدمه ، واذا وجبت هل هل هي واجبة على الله تعالى أم على الخلق؟ وهل هذا الوجوب من جهة الشرع أو العقل ، أو من قبلهما معا ، وفي صفات الامام من حيث العصمة وعدمها والقرشية وغيرها ، وهل وهل وهلم جرا.
Shafi 8
وقد كان عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي : تعرض لذلك في مواطن عديدة في شرحه على نهج البلاغة ، وتحامل على الامامية ، وانبرى لنقض أقوالهم بكل ما أوتي من بلاغة في القول ، وبراعة في الكلام.
وذلك ما حدى بطائفة من علماء الامامية لافراد كتب في الرد عليه.
وكان من جملة من تصدى للرد على ابن أبي الحديد ، ونقض كلامه صاحب «منار الهدى» وفي أثناء رده على ابن ابي الحديد تعرض أيضا للرد على علاء الدين علي بن محمد القوشجي المتوفى سنة 879 ه من أكابر علماء الاشاعرة في كلامه حول الإمامة في كتابه المعروف ب (الجديد في شرح التجريد) أي تجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي اذ لا يقل عن ابن ابي الحديد في الميل على الإمامية ، والطعن في عقائدهم كما ستطلع على الكثير من ذلك في ثنايا هذا الكتاب.
أما صلتي ب (منار الهدى) وعملي فيه ، فأني كنت قد اطلعت على هذا الكتاب مصادفة قبل أربعين عاما تقريبا في مكتبة أحد الاعلام في كربلاء فتصفحت جملا من فصوله في صفحات مختلفات فاستحسنت بعضها ، وراقني كثير منها ، ثم لم أره بعد ذلك الحين إلا قبل ثلاث سنوات أثناء إقامتي في البحرين فهاجت بي الذكرى ، واخذني الحنين الى أيام الشباب ، فاعدت النظر فيه ، فرأيت أن أخرج مصادره ، واعلق عليه ففطنت لشيء فيه هو أن المؤلف قوي الحجة ، ناصع البرهان إلا أن في لهجته شيئا من الغلطة والشدة على خصميه المعتزلي والقوشجي كنت أتمنى لو أنه كان لين العريكة معهما ، فرأيت أن أخفف منها ، وألطف بعضها بشيء من التنقيح والتهذيب على ان لا أغير شيئا من معناه وأن تغير شيء من مبناه ، وقد حاولت أن أحافظ على عبارات المؤلف ما وجدت إلى ذلك سبيلا.
ولا يسمى عملي هذا تصرف في الكتاب ، أو تحريف له فالتنقيح
Shafi 9
والتهذيب ، والاختصار والتجريد طريق سلكه كثير من الفضلاء قبلي ، ثم رأيت أن أسميه من بعد ذلك ب :
* (أشعة من منار الهدى)
أما مؤلف «منار الهدى» فهو الشيخ علي بن عبد الله بن علي البحراني الستري علم من أعلام البحرين ، ذلك البلد الطيب الذي أنجب كثيرا من العلماء والفقهاء ، والفلاسفة والحكماء ، والادباء والشعراء في ماضي الدهر وحاضره.
كما عرف بالولاء لاهل البيت عليهم السلام منذ أن دخله الاسلام ، أو منذ أن دخل هو طواعية في الاسلام أيام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث قد تعاقب عليه ولاة عرفوا بالتشيع لعلي عليه السلام أمثال أبان بن سعيد بن العاص الأموي والعلاء بن الحضرمي ، وساعد في ذلك تهجير زياد بن أبيه في أيام ولايته على العراق جماعة عرفوا في ولاء أهل البيت ومحبتهم ، ولجوء آخرين الى البحرين فرارا من بطش الحجاج أيام بني مروان ، فاسسوا للايمان قواعد راسخة ، وشيدوا للعلم صروحا شامخة ، لا تزعزعها القواصف مهما اشتدت الأعاصير ، وعصفت الرياح.
ولد المؤلف في البحرين ولم تذكر لنا المصادر تاريخ ولادته ، ولا مسقط رأسه من قرى البحرين ، والمظنون أنه ولد في قرية «سترة» وهي القرية التي ينسب إليها ، نشأ في البحرين ، وتعلم فيها ، وتخرج بعلمائها وخصوصا والده وهو أيضا من العلماء الاعلام ، فعل وانتهل حتى ارتوى وان كان طالب العلم لا يشبع نهمه ولا تروى غلته ما دام يتنسم روح الحياة فاصبح عالما يشار إليه بالبنان ، وفقيها يرجع إليه في الأحكام ، ثم بدا له أن يهاجر الى مطرح من بلاد عمان لحاجة الناس إليه هناك ، ولكثرة العلماء في البحرين
Shafi 10
فحل بينهم ، يهذب النفوس ، ويشحذ الافكار ، ويطهر القلوب ، ويدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهدى الله به الى الحق أمة من الناس ، حتى قيل : إنه تحول بسببه الى مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر من ثلاثين ألفا ، وصار له هناك من جليل الآثار ، وصالح الأعمال ما يذكر به ، ويشكر عليه.
ثم بعد ما أصاب هدفه ، ونال قصده تحول الى «لنجه» أحد مواني إيران الشمالية ، ليواصل دعوته فقام فيها بما قام به في سابقتها ومكث فيها بقية أيامه حتى لقي ربه مسموما من قبل اعداء الله الذين كبر عليهم ما يدعوهم إليه ، فكان أحد «شهداء الفضيلة» وذلك في شهر جمادى الاولى سنة 1319 ه. فكان يومه مشهودا ، وكان لفقده رنة حزن وأسى من كل من عرف فضله ، واستضاء بنور علمه ، تغمده الله برحمته ، وحشره مع من يتولاه.
أما آثاره العلمية فهي
** :
** 1
** 2
** 3
** 4
** 5
العشاء.
وقد نقض هذه الرسالة الشيخ صالح بن أحمد البحراني رحمه الله .
** 6
** 7
** 8
Shafi 11
** 9
** 10
** 11
كتاب «أنوار البدرين» بقوله :
هذا «منار الهدي» حقا وذا علمه
هذا لسان الهدى صدقا وذا قلمه
استقينا هذه الترجمة من كتاب «شهداء الفضيلة» للشيخ عبد الحسين الاميني صاحب كتاب «الغدير» ، وكتاب «أنوار البدرين» للشيخ علي البلادي ، «والذريعة» لآغابزرك الطهراني ، وما نقله لي شفاها كل من سماحة العلامة الجليل السيد جواد الوداعي ، والخطيب الفاضل الشيخ محمد صادق العصفور وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
** بيروت 20 محرم الحرام سنة 1405
عبد الزهراء الحسيني الخطيب
Shafi 12
* بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الغني لذاته ، والمتوحد بصفاته ، والمتفرد في افعاله الذي لم يشاركه احد في صنع مخلوقاته ، ولم يوازره وزير في إنشاء برياته ، الذي لم يخلق الخلق عبثا ، ولا فطر السموات والأرض وما بينهما باطلا ( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) (1) الذي لم يكلف عباده شططا ، ولم يتركهم سدى ، ولم يعذب أحدا من خلقه حتى يبعث إليهم رسلا يدلونهم على طريق الهدى ويصدونهم عن سبيل الردى تقوم له بهم على العباد الحجة ، وتستبين بهم المحجة لئلا تكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، والصلاة والسلام على من ختمت به النبوة وكملت به الرسالة ووضحت به الدلالة ، وقامت به الحجة وتمت به النعمة واجتمعت به الكلمة وحصلت به الالفة ، وائتلفت به القلوب المختلفة ، وانتظمت به أمور الناس بعد المباينة والفرقة ، واتفقت به الاهواء المتشتتة ، والآراء المتشعبة ، ولم الله به الشعث وشعب به الصدع ، وآمن به السبل ، وصدق به الرسل ، وفضله على جميع من خلق ونسخ بشرعه أديان من سبق وانزل عليه قرآنا مجيدا وفرقانا حميدا ، اقام به الأود (2) وهدى به الى الرشد وسوى به العوج ، وفك به من الرنج (3) امام المتقين
Shafi 13
وسيد المرسلين وشفيع يوم الدين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله النبي الأمي ، وعلى آله البررة الاخيار الناسجين على منواله ، والمقتفين اثره في افعاله واقواله ، حجج الله على بريته ، وخلفاء رسوله على امته الحافظين لكتابه وسنته والعاملين باحكام شريعته والمطهرين من مقارفة معصيته ، والمنزهين عن ارتكاب مخالفته الذين ماز (1) الله بولايتهم الخبيث من الطيب ببديع حكمته كما قال في محكم كتابه ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ... ) (2) ففرض ولاءهم على لسان نبيه الكريم الامين فامتاز به الغث من السمين ، وابى عن حمله من خبثت طينته من الاشقياء وسارع لحمله وقبوله من سبقت له من الله الحسنى ، وعلى اصحابه المنتهين إلى امره والمنزجرين بزجره ما هدل الحمام (3) وهطل الغمام.
** اما بعد :
فيقول المفتقر الى فيض ربه السبحاني علي بن عبد الله بن علي البحراني ألهمه الله تقواه واتاه هداه : إن أمر الامامة والإمام ، مما شاع فيه بين الأمة الجدال والخصام ، وطال فيه البحث والكلام ، وبذل كل فريق جهدهم في اثبات ما ذهبوا إليه ، واجهد كل قوم انفسهم في تقوية ما اعتمدوا عليه ، فكم جمع اصحابنا المتقدمون فيه من مصنف فائق ، وكم حرر اسلافنا الصالحون فيه من مؤلف رائق اقاموا في تلك الصحف والمصنفات على صحة مذهبهم الادلة الواضحة ، واظهروا عليها البراهين اللائحة ، التي انجلى غبارها وسطع منارها مما فيه كفاية كل طالب ومنتهى رغبة كل راغب بحيث لم تبق لقائل مقالة ولا لمتعلل علة ولا لخصم
Shafi 14
عذر الا مكابرا مال عن التحقيق وتنكب قصد الطريق بالشبهة وحاد بسوء النظر عن سواء المحجة فتاه في فيافي الضلالة ، وارتكس في غمرات الفتنة ممن جعل شهوة نفسه امام عقله ، وصير الخطأ صوابا بجهله واقتصر من الدليل على حقية مذهبه وتصحيح طريقته على تقليد الاسلاف وحسن الظن فيمن تحقق منهم لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الخلاف ، ممن حقت عليهم كلمة العذاب بتركاضهم (1) في مهاوي الشك والارتياب وتهافتهم على الدنيا تهافت الفراش والذباب ، فخالف الرشاد على عمد وسلك فج الهلاك مقدرا للسلامة والنجاة ، وليس اعراض المعاند عن الهدى بناقض للحق ولا حجاج المكابر بمبطل للصدق ولا انكار الجاحد بموهن لما اقامه اصحابنا من الدليل ولا بمبهم لما اوضحوه في تلك الزبر من نهج السبيل ، بل كان ما زبروه كافيا وما رقموه شافيا ، وانما انكره من انحرف فهمه كما ينكر الماء العذب من انحرف مزاجه والداء انما هو منه لا من الماء ، فشكر الله مساعيهم الجميلة وضاعف مثوباتهم الجزيلة ، وجعلنا من المنتظمين في سلك عقدهم والواردين صافي وردهم ، بيد (2) ان التصنيف الحادث لا يفقد فائدة اهملها الأولون والتأليف الجديد لا يعدم التنبيه على دقيقة اغفلها السابقون ، لاستغنائهم عن ايرادها في ذلك الزمان وتجدد الحاجة إليها في هذه الأزمان ، فلذا تجشمت هذه الخطة وخضت هذه اللجة وولجت هذه الغمرة ، مع قلة البضاعة وكثرة الاضاعة ، ومكابدة المحن ومعاناة صروف الزمن وتوارد الهموم وتتالى الغموم وغربة
Shafi 15
الديار والابتلاء بمعاشرة الاغمار (1) ومصاحبه الاغيار وكثرة الحساد ومقاساة الامور الشداد ، فصنفت هذا الكتاب المحتوي على اثبات النص على مولانا امير المؤمنين ابي الحسن علي بن أبي طالب واولاده الاحد عشر المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين بالإمامة ، معتصما بالله ومتوكلا عليه في الاسعاف ، والاعانة على ما طلبت والتسديد والارشاد الى ما قصدت ، فلا حول ولا قوة الا به ، ولا انتصار الا بنصره ، ولا التجاء الا الى منيع عزه ، ولا استمداد الا من الهامة ولا استعانة على امر الا بمعونته وتوفيقه ، ورغبت إليه ان يجعله للمسترشدين مرشدا وللسائلين منجحا ، وللسالكين سبيل الانصاف هاديا ، وان يجعله لي في القيامة ذخرا ، وإليه مقربا وان يجعلني لثوابه مستحقا ، ويجعل لي به عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيلة وقربا ، ويزرع لي به في قلوب المؤمنين ودا انه مجيب الدعوات ومعطي الامنيات ، واقتصرت في مقام الحجة على ذكر ما صح عند الخصوم من دليل عقل معروف عدله ، او آية محكمة فيها بيان الامر وفصله ، أو خبر ثبت في صحاح اخبارهم والمعول عليه من كتبهم ، مما وضح معناه ودليله وبان جده وزال هزله ، ولم اذكر في خلال المباحث حديثا من طرقنا خاصة الا لمرام اخر كالبيان لاصحابنا ما يدل على قولنا من احاديث ائمتنا ( عليه السلام ) لتزداد بصيرتهم كما ذهبت حيرتهم لا لأحتج به على الخصم فانه لا يجوز الاحتجاج على احد الا بما يعتقد صحته ويسلم حجيته ، وذلك سبيل الانصاف وصراط من جانب الزيغ والاعتساف ، (2) وقد بذلت فيه جهدي واتعبت فيه كدي وجريت فيه الى غاية مقدرتي ، طلبا لمرضاة الله وتقربا به الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونصرا لدين الله عز وجل ووسمته اذ سميته
Shafi 16
ب (
** منار الهدى في اثبات النص على الأئمة الاثني عشر النجباء
اللهم افتح لي ابواب فضلك وانشر علي من خزائن علمك ، اللهم زدني علما وفهما واشرح لي صدري ويسر لي امري ، وثبت قدمي واعصم من الزلل والخطل قلبي ، (1) واجر الحق على لساني انك ذو الفضل العظيم ، بحق نبيك الكريم وآله الابرار أولى الشرف القديم وبحق من عظمت قدره من خلقك يا رب العالمين.
Shafi 17
* المبحث الأول
* في بيان معنى الإمامة
في بيان معنى الامامة ، قد عرفها المتكلمون وحدوها : بأنها رئاسة عامة في امور الدين والدنيا لشخص انساني خلافة عن النبي ، فخرج بقيد العموم مثل رئاسة القاضي وأمير الحاج وامير الجيش وامير بلاد وناحية ورئاسة من جعله الإمام نائبا عنه مطلقا لأنها لا تعم الامام ، وفي الدين والدنيا متعلق تلك الرئاسة ، والمراد بالدنيا هنا ما يتعلق بامر المعاش من اصلاح البلاد وازالة الفساد واخذ الحقوق وغير ذلك ، وبقيد الشخصية تعدد الإمام في العصر الواحد ، فلا يكون مستحق الإمامة في عصر واحد اكثر من امام واحد إذ لا يجوز في عصر واحد إمامان لاستلزامه التكليف بالمحال ، وبيان ذلك : ان الإمام واجب الطاعة على المكلفين البتة ، فلو كانا اثنين في عصر واحد فامر احدهما بأمر ونهى الآخر عنه فانه يجب بحكم الطاعة لهما فعل ذلك المأمور به وتركه في حال واحدة وظاهر ان ذلك محال ، وما يستلزم المحال محال ، ثم يلزم اما ترك طاعتهما معا فيخرجان عن كونهما واجبي الطاعة وامتثال قول احدهما دون الآخر وحينئذ اما ان يكون بغير مرجح والترجيح بغير مرجح قبيح عقلا فهو غير جائز ، واما ان يكون لمرجح فكان واجب الطاعة بالمرجح هو الإمام البتة (1)، وخرج الآخر عن كونه إماما وهو المطلوب ،
Shafi 19
وبعبارة اخرى : لو كان في عصر واحد إمامان واجبا الطاعة فامر احدهما بشيء ونهى الآخر عنه فاما ان يجب امتثال امرهما معا فيجب فعل ذلك الشيء وتركه في حال واحدة وذلك ممتنع لامتناع اجتماع الضدين ، او عدم امتثال امرهما معا فيكون من هو واجب الطاعة محرمة طاعته في حال واحدة هذا خلف او ترجيح قول احدهما بغير مرجح وهو قبيح او تقديم قول احدهما لمرجح فيكون هو الإمام ويخرج الآخر عن الإمامة لعدم وجوب طاعته فلما كان في اجتماع امامين في عصر واحد لزوم المحال او خلاف المفروض من طاعة الإمام والترجيح بدون المرجح وجب وحدة الإمام في الزمان الواحد ، ولذا ورد عن مولانا ابي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) انه سئل : أيكون إمامان في عصر واحد؟ قال : (لا الا واحدهما صامت) (1) ومن هذا بطل ما ينقل عن الزيدية من جواز نصب امامين في عصر واحد كل واحد في ناحية (2)، وهذا لا يرفع التناقض ولا يزيل المحذور إن لم يزده لو فرض صدور امر كل منهما الى اهل ناحية الآخر بشيء وصدر من الآخر نهى اهل ناحيته عنه على تقدير طاعة اهل الناحيتين لكلا الامامين واستشراء الفساد بعصيان كل من اهل الناحيتين لإمام الأخرى عند طلبه منهم الطاعة فيحدث القتال ويشيع الجدال ، ومن هذا علم بطلان ما قيل : ان غاية الامر انه لا بد في كل اجتماع من رئيس مطاع منوط به النظام والانتظام ، لكن من اين يلزم عموم رئاسته جميع الناس وشمولها امر الدين والدنيا على ما هو المعتبر في الإمام؟ مع انه اجاب عنه اهل الاختيار : بانا نعلم ان انتظام امر الدين والدنيا على جهة العموم على وجه يؤدي الى الصلاح فيهما مفتقر الى رئاسة عامة لأنه لو تعدد الرؤساء في الاصقاع والبقاع لادى الى منازعات ومخاصمات
Shafi 20
تؤدي الى اختلال النظام ، ولو كانت الرئاسة مقصودة على الدنيا لفات انتظام امر الدين الذي هو المقصد الاهم من الإمامة انتهى.
فان قيل : نفرض اتفاق الأئمة في الأمر والنهي فيزول المحذور ، قلنا : انتم تجعلون الإمام كواحد من المجتهدين فهذا الفرض غير ممكن الحصول على قولكم لأن اتفاق المجتهدين في جميع احكام الدين وامور الدنيا مما لم يقع ولا يقع ابدا على ان التزام هذا الفرض يقتضي الحكم بوحدة الإمام ، لأن الآمر والناهي على قولكم واحد والباقين موافقون له في الحالين تابعون لأمره ونهيه فيكون هو الإمام واولئك اتباعا له فهم من جملة الرعية المطيعين فلا تعدد على هذا في الإمام اذ لا رئاسة لمن لا يأمر ولا ينهي الا تبعا لغيره ،.
وبالجملة فالمعتمد هو وجوب وحدة الإمام في العصر واستقلاله بالنهي والامر وعموم رئاسته على جميع المكلفين.
وبقيد الإنسان يخرج الملك وغيره فلا يكون الملك إماما قال الله تعالى : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) (1) وورد عن ابي جعفر الباقر ( عليه السلام ): (ان لله لم ينزل ملائكة يجعلهم في الأرض حكاما وانما جعل ذلك من البشر ، قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) (2)) واذ امتنع ان يكون الرسول ملكا امتنع ان يكون الإمام كذلك للاولوية او للاشتراك في العلة وهي عدم قيام الحجة على المكلفين باتيان الملك بما هو خارق للعادة لعدم ثبوت كونه معجزا لاحتمال انه من قدرة الملك لا من فعل الله لتصديقه في دعواه الرسالة لأن قدرة البشر تعجز عن قليل من قدرة الملك فلم يكن في اتيانه بما يعجز عنه البشر معجزة تقوم بها الحجة على صحة رسالته وغير ذلك من العلل ليس هنا
Shafi 21
مقام بيانها ومحله مبحث النبوة ، وهذا يتمشى على قواعدنا من اشتراط المعجزة في الإمام كالنبي ، وعلى قواعد غيرنا للسمع والأولوية ، او لأنه نائب عن النبي فيجب ان يكون من نوعه او علة اخرى.
وبقيد الخلافة خرجت النبوة ، وفي بعض الحدود نيابة عن النبي والمعنى واحد ، ونقل عن بعض الفضلاء انه عرف الامامة بانها رئاسة عامة في امور الدين والدنيا لشخص انساني بحق الاصالة ، قيل : واحترز به عن نائب يفوض إليه الإمام عموم الولاية فان رئاسته عامة لكن ليست بالاصالة ، واجيب بان النائب المذكور لا رئاسة له على امامه فليست رئاسته بعامة فتخرج بقيد العموم ولا يحتاج في اخراجها من الامامة الى ذكر الاصالة ، وجعل بعض الافاضل موضع خلافة عن النبي في الحد لفظ بحق النيابة عن النبي أو بواسطة بشر وكلاهما يؤدي مؤدى لفظ الخلافة عن النبي الا ان الأول يزيد عليه بالتصريح باخراج الامامة بالاختيار من الحد حيث اخذ حق النيابة قيدا للرئاسة ولا يعلم ان النائب تحق له النيابة عن النبي الا بنصه عليه ، وظني ان هذا التقييد زائد عن مفهوم الإمامة من حيث هي هي ، فان كون الإمامة مشروطة صحتها بالنص أم تصح بالاختيار امر اخر وراء مفهوما وحقيقتها.
** واما الثاني :
احد من البشر وهذا لا ينفي الاختيار في الإمامة فيرجع في نفسه فيها الى أمر اخر وهو ما سنذكره من الادلة على بطلان الاختيار ، على ان كلا من لفظ الخلافة والنيابة يقتضي النص عندنا لزوما لأن مرادنا من الإمامة الصحيحة ولا تكون كذلك الا باستخلاف النبي واستنابته ولا يكون ذلك الا بنصه فيكون بحق في قوله بحق النيابة مستغني عنه لانه مؤكد لا مؤسس .
Shafi 22
ثم ان الامامة تجامع النبوة فان كل نبي امام ، وقد تكون مجردة عن النبوة كامامة الأئمة في هذه الأمة لختم النبوة بنبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلا نبي بعده ، والإمامة في النبي من حيث النبوة غير الإمامة من حيث النيابة عن النبي لثبوت الأولى بثبوت النبوة وعدم احتياجها الى امر اخر واحتياج الثانية الى نصب النبي اذ ليس كل نبي نائبا عن الذي قبله والا لتعددت النواب لكثرة الأنبياء في الأمم السالفة والمعلوم خلافه ، فان موسى ما كان وصيه الا يوشع بن نون وداود لم يكن وصيه الا ابنه سليمان وكذا غيرهما من الأنبياء كل نبي يوصي الى واحد بعينه فيكون خليفته مع تعدد الأنبياء في تلك الأزمان وان جميعهم ائمة من حيث النبوة لأن كل نبي امام وليس كل امام من حيث النيابة نبيا والا لامتنعت الامامة في نواب نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لامتناع النبوة فيهم ولذا احتاج موسى في استخلافه اخاه هارون إلى نصه عليه بقوله : ( اخلفني في قومي ) (1) ولم يكف في نيابته عنه كونه نبيا مرسلا معه ، فظهر ان الإمامة من حيث النيابة عن الأنبياء منفكة عن الامامة من حيث النبوة وبالعكس ، وان حيثية احدهما غير حيثية الاخرى واختلاف الحيثيات كاف في اختلاف الحقائق وتغاير المفهومات وان اجتمعتا في الوجود في شخص واحد كاجتماعهما في هارون واشباهه من الأنبياء الذين كانوا نوابا عمن كان قبلهم من الأنبياء بنصبهم لهم واستخلافهم اياهم على اممهم في انفاذ الاحكام واقامة امر الدين كشيث وسام واسماعيل واسحاق وغيرهم ، وبين الامامتين عموم وخصوص من وجه.
وأيضا للإمامة مفهومان آخران قال الشيخ ابو علي في مجمع البيان : «المستفاد من لفظ الإمام امران احدهما انه المقتدى به في افعاله واقواله ، والثاني : انه الذي يقوم بتدبير الامة وسياستها والقيام بامورها
Shafi 23
وتأديب جناتها وتولية ولاتها واقامة الحدود على مستحقيها ومحاربة من يكيدها ويعاديها ، فعلى الوجه الأول لا يكون نبي من الأنبياء الا وهو امام ، وعلى الوجه الثاني لا يجب في كل نبي ان يكون إماما اذ يجوز ألا يكون مأمورا بتأديب الجناة ومحاربة العداة والدفاع عن حوزة الدين ومجاهدة الكافرين» انتهى (1)، وانت خبير بأن الإمامة المذكورة في الحد شاملة للوجهين المذكورين لانها رئاسة في الدين والدنيا فتخرج النبوة بقيد الخلافة او النيابة ، ثم ان الإمامة على ما هي مذكورة في الحد هي الملك العظيم المذكور في قوله تعالى : ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) (2) فالكتاب النبوة ، والحكمة العلم والملك العظيم الامامة وهي عبارة عن فرض الطاعة على المكلفين وهو معنى الرئاسة العامة وفي قوله تعالى في شأن داود : ( وآتاه الله الملك والحكمة ) (3) جمع الله له النبوة والرئاسة العامة كما جمعهما من قبله لموسى ( عليه السلام ) ومن بعده لابنه سليمان كما جمعا لنبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واختص نوابه بالثاني لأن النبوة قد ختمت به والرسالة قد كملت برسالته فلا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته ، وقد انكر تقسيم الشيخ ابي علي ( رحمه الله ) في زماننا هذا من لم يعرف معنى الإمامة وزعم ان النبي لا يلزم ان يكون إماما مطلقا وهو مع ذلك يدعى انه من العارفين لكنه جاهل جهله ولا عبرة بمثله.
ثم اعلم أيضا ان للإمام تقسيما اخر وهو اما ان يكون الإمام إماما ليس عليه امام او يكون إماما وعليه امام.
** والأول :
Shafi 24
وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنهم أئمة الامم وليس على واحد منهم امام يأتم به.
** والثاني :
المذكورين فقد حصل الاتفاق على انحصار الشرائع المبتدأة والناسخة في تلك الست وان لا شريعة غيرها ، روى الشيخ الجليل ثقة الإسلام ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني بالسند عن ابن ابي يعفور (1) قال سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : (سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الوحى نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وعلى جميع الأنبياء) (2). وروي بسنده عن درست بن ابي منصور (3) قال : قال ابو عبد الله ( عليه السلام ): (الأنبياء والمرسلون على اربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث الى احد وعليه امام مثلما كان ابراهيم على لوط ، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد ارسل الى طائفة قلوا او كثروا كيونس قال الله تعالى ليونس ( وأرسلناه إلى مائة ألف
Shafi 25