ولكن مما يجدر ملاحظته أن المحدثين إذ ذاك ما كانوا يأخذون على تدريس الحديث أجرا فلقد كانوا يتمثلون قوله تعالى:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ.
(سورة الأنعام الآية ٩٠) وفى سبيل طلب العلم قدم له أهله كل معونة وهيئوا له ما يمكن- وهو نزر يسير- من المساعدة، وفى ذلك تقول أمه:
(يا بنى، أطلب العلم وأنا أعولك بمغزلى، وإذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى فى نفسك زيادة فى الخير فان لم تر ذلك فلا تتعبن نفسك).
ويكفينا فى هذه الكلمة أن نأخذ منها:
١ - أن الجو الذى كان يعيش فيه سفيان كان جو تقشف.
٢ - أن هذا الجو كان يتسم بالتقوى والصلاح.
ونشأ سفيان بين «أب» من ثقات المحدثين، وأم تريد أن تعوله بمغزلها ليطلب العلم. من أجل زيادة النور فى قلبه.
وبدأ سفيان يتعلم اتباعا لأبيه، واستجابة لرغبة أمه.
وما إن دخل دور الشباب حتى بدأ يفكر جديا فى أمر معيشته، يقول سفيان:
لما همت بطلب الحديث، ورأيت العلم يدرس، قلت: أى رب، إنه لا بد لى من معيشة، فاكفنى هم الرزق، وفرغنى لطلبه، فتشاغلت بالطلب فلم أر إلا خيرا وأعلنها فى صراحة صريحة:
عليك بعمل الأبطال: الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال.
ولما سئل عن الحلال ما هو؟ قال:
تجارة برة، أو عطاء من إمام عادل، أو صلة من أخ مؤمن، أو ميراث لم يخالطه شىء.
1 / 12