فإن أنصفت من نفسك لكنت مكذبا إياك، إذ لا ريب أن دعوى تعين الاشتغال بالظهر هو أول المسألة، وعين المتنازع، وبعد ملاحظة عمومات صلاة الجمعة، سيما مع تأخرها وكونها ناسخا للظهر في الجملة وأظهرية وجوبها، فكيف تقول:
إن الذمة مشغولة يقينا بالظهر؟ بل ولا يتأتى ذلك وإن كان بتساوي الاحتمالين، بل الذمة في أول الظهر مشغول بفريضة من الفريضتين.
وتعلق التكليفات واشتغال الذمة بها إنما يكون بعد حضور الوقت وسائر شرائط التكليف، فلا يكفي في ذلك إطلاق العمومات والإطلاقات، وعمومها قبل نزول الجمعة. وهذا مما لا يخفى على المنصف المتأمل.
وإن قلت: - نظير ما يقوله الأشاعرة في باب خطاب المعدوم في توجيه كلام الأشعري: من أن الأمر قديم، لوحظ فيه المأمور حين الطلب، لكن التعليق إنما هو بعد وجوده - بأن العمومات، والإطلاقات وارد قبل حضور الوقت ونزول الجمعة، ملاحظا بالنسبة إلى المكلف، وقد تعلق به بعده.
فمع أنه شئ لا يفهمه إلا الأشاعرة، فنقول: إن نزول الجمعة، وحرمة الظهر مع التمكن عنها، كاشف عن كون ذلك الخطاب مشروطا بعدم التمكن، فيجري فيه الكلام المتقدم، فكيف تطمئن بمثل ذلك الإطلاق؟
وبالجملة: الذمة قبل دخول الوقت برئ يقينا، وبعد دخول الوقت لا يحصل اليقين بالاشتغال إلا بشئ مجمل هو أحد الأمرين، وترجيح الظهر من غير مرجح باطل، وإن أتيت بالمرجحات فهو مقام آخر، وخارج عما نحن فيه.
وإن أردت بما ذكرت الاستصحاب - بأنه كان قبل نزول الجمعة وجوب الظهر يقينيا وثبوت الجمعة بعد مشكوك فيه - فهو مستصحب حتى يثبت خلافه.
فإن أردت من ذلك أن الظهر وجب عليه ووجوبه مستصحب فهذا إنما يصح في اليوم الأول الذي نزل الجمعة عن الله تعالى بعد مضي زمان من الظهر وسع لأداء الظهر، لكونه ثابتا في ذمته في أول الوقت على الظاهر، ووقع له شبهة في تحقق الوجوب في حقه.
Shafi 40