الباب الأول
وصف
الخط والبلاغة
وما يجري مجراهما
فصل
الخط
ومن أحسن ما سمعت في ذلك نثرًا قول أبي القاسم الصاحب: " خط أحسن من عطفة الأصداغ، وبلاغة كآمل آذن بالبلاغ " وقوله: " خط كالمقل المراض، والإقبال بعد الإعراض ".
وقد أحسن ابن المعتز وأطرب، حيث قال يصف خط أبي بن عبد الله:
1 / 7
إذا أخذَ القرطاسَ خلتَ يمينه ... تُفَتِّقُ نَوْرًا أو تنظِّمُ جوهرًا
ولا مزيد على حسن قول أبي إسحاق الصابي في بعض الوزراء:
وكم من يد بيضاءَ حازت جمالَها ... يدٌ لكَ لا تَسْوَدُّ إلا من النِّقسِ
إذا رقشت بيضَ الصحائِف خلتَها ... تطرِّزُ بالظلماءِ أرديةَ الشمسِ
ووصف يوسف بن أحمد جارية كاتبة فقال: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلها، وكأن سكينها سيف لحظها، وكأن مقطها قلب عاشقها.
ومن أحسن ما قيل في حسن الخط والوجه: ما أنشد فيه أبو محمد الكاتب البروجرذي للصاحب أبي القاسم بن عباد:
وخطٍّ كأنَ اللهَ قالَ لحسنِه ... تشَّبهْ بمن قد خطّك اليومَ فأتمرْ
وهيهات أينَ الخطُّ من حسنِ وجههِ ... وأين ظلامُ الليلِ من صفحة القمرْ
وأحسن من ذلك قوله:
كلا الخطينِ من سكني مليحُ ... وقلبي منهما دنِفٌ جريحُ
1 / 8
فخطُّ عذارِه مسكٌ يفوحُ ... وخَطُّ يمينهِ دُرٌّ يلوحُ
وقول أبي القاسم: " مولاي مليح الحظِّ والخطِّ، فذاك النمل في العاج وذاك الدر في السمط ".
ومما يستطرب للصنوبري، ويقع في هذا الفصل قوله في غلام كاتب جميل، وقد أجاد فيه:
أُنظرْ إلى أثرِ المدادِ بخدّه ... كبنفسَجِ الروض المشوب بوردِهِ
ما أخطأتْ نوناتُه من صدغِه ... شيئًا ولا ألفاتُه من قَدِّهِ
وأليق منه بهذا الفصل في هذا المعنى وأبدع وأدخل في باب الإِطراب، قول كشاجم في غلام يكتب ويمحو ما يغلط فيه بلسانه:
ورأيتُه في الطرسِ يكتبُ مرةً ... غلطًا يواصلُ محوهُ برضا بِهِ
فوددتُ أَنّي في يديه صحيفةٌ ... ووددتُه لا يَهتدي لصوابهِ
والنظم والنثر في هذا الباب مما يعجب ولا يطرب. والشرط
1 / 9
ما يطربُ. وعليه بناء جمع الكتاب.
فصل
البلاغة ووصف الكلام الحسن
ليس لواحد من الوصف المطرب للكلام المعجب ما للصاحب أبي القاسم بن عباد وقد كتبت المختار. فمن مختار ذلك: " ألفاظ كغمزات الألحاظ، ومعان كأنها قلب عان. استعارت حلاوة العتاب بين الأحباب، واسترقت تشاكي العشاق يوم الفراق. وألفاظ لها من الهواء رقته، ومن الماء سلاسته، ومن سحر نفثتُهُ. ومن الشهد حلاوته. كلام كبُرد الشباب، وبَرد الشراب. كلام يهدي إلى القلوب روح الوصال، ويهب على النفوس هبوب الشَّمال. ألفاظ حسبتها لرقتها منسوخة من صحيفة الصبا، وظننتها لسلاستها مكتوبة من إملاء الهوى. كلام كما هب نسيم السحر، على صفحات الزهر، ولذ طعم الكرى بعد برح السهر. كلام يقطر صرفًا، ويمزج الراح لطفًا، كلام
1 / 10
كنسيم وعهد الصِّبا. كلام هو سَمَر بلا سهر، وصفو بلا كدر.
فصل
في مثل ذلك نظمًا
قد أحسن وأطرب إبراهيم بن سياه الأصفهاني في قوله لأبي مسلم محمد بن بحر:
إذا ارتجلَ الخطابَ بدا خليجٌ ... بفيه يمدُّه بحرُ الكلامِ
كلامٌ بل مدامٌ بل نظامٌ ... من الياقوتِ بل حببُ الغمامِ
وأبو إسحاق الصابي في قوله للوزير المهلبي:
قل للوزيرِ مُحَمَّدٍ يا ذا الذي ... قد أعجزتْ كلَّ الورى أوصافُهُ
لك في المجالسِ منطقٌ يَشفي الجوى ... ويسوغُ في أُذُنِ الأديب سلافُهُ
فكأن لفظك لؤلؤ متنخَّل ... وكأنما آذاننا أصدافه
والصاحب في قوله ل " القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز ":
بالله قلْ لي أقرطاسٌ تخطُّ به ... في حلةٍ هو أم ألبستَه الحللا؟
1 / 11
بالله لفظُك هذا سالَ من عسلٍ ... أم قد صببتَ على أفواهِنا العسلا؟
وأطرب " أبو روح ظفر بن عبد الله القاضي " حيث قال في " أبي الفتح البستي ":
يا منْ تذكِّرُني شمائلُه ... ريحَ الشمالِ تنفستْ سَحَرا
وإذا امتطى قلمٌ أناملَه ... سحرَ العقولَ به وما سَحَرا
وقلت للأمير أبي الفضل عبيد الله بن محمد الميكالي:
سبحانَ ربي تبارك اللهُ ما ... أشبهَ بعضَ الكلام بالعسلِ
والمسكِ والسحرِ والرقى وابنةِ ... الكرم وحلي الحسانِ والحللِ
مثلُ كلامِ الأميرِ سيدِّنا ... نظمًا ونثرًا يسيرُ كالمثلِ
وقلت لأبي عبيد الله محمد بن حامد الحامدي:
إني أرى ألفاظَكَ الغُرّا ... عطَّلتِ الكافورَ والدُّرّا
لك الكلامُ الحُرُّ يا منْ غدا ... أفعالهُ تستعبدُ الحُرّا
فصل
وصف الكتب البليغة
وحسن موقعها نثرًا
الصاحب: " كتاب أوجب من الاعتداد، وأوفر من الأعداد، وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد.
1 / 12
كتاب أنساني سماع الأغاني من مطربات الغواني. كتاب رأيت فيه ساعة الأوبة على المسافر، وبرد الليل على المسامر، كتاب شممته شم الولد، وألصقتُه بالقلب والكبد، كتاب مطلعه مطلع أهلَّة الأعياد، وموقعه نيل المراد ".
أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي: " كتاب هو في الحسن رَوضة حَزَن بل جنة عدن، وفيه شرح النفس، وبسط الأنس، برد الأَكباد والقلوب، وقميص يوسف على أجفان يعقوب ".
الخوارزمي: " كتاب هو المسك زكيًا، والزهر جنيًا، والماء مرئيًا، والعيش هنيًا، والسحر بابليًا ".
فصل
مثل ذلك نظمًا
أحسن ما سمعت في ذلك قول المريمي:
يُطْوى وليس بمطويٌّ محاسنُه ... فالحسنُ ينشُره والكفّ تطويهِ
1 / 13
وأحسن منه قول ابن مندويه الأصفهاني:
يُكَرّر طورًا من قراهُ فصولَهُ ... فإن نحنُ أتممْنا قراءَتَه عُدْنا
إذا ما نشرناهُ فكالمسكِ نشرُه ... ونطويه لا طيَّ السآمةِ بلْ ضَنّا
وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه:
بنفسيَ من أهدى إلي كتابَه ... فأهدى لي الدنيا مع الدين في دُرْج
كتابٌ معانيه خلالَ سطوره ... لآلىءٌ في دَرجِ كواكبُ في بُرْجِ
فصل
وصف الشعر نثرًا
أبو إسحاق الصابي في شعر أبي عثمان الخالدي: " يختلط بأجزاء النفس لنفاسته، ويكاد يفتن كاتبه لسلاسته " غيره: " نظم كنظم الجمان، في روض الجنان، وأمن الفؤاد، وطيب الرقاد ".
الصاحب، في شعر عضد الدولة: " قرأت الأبيات، أسفر عنها طبع المجد، وألقاه بحر العلم على لسان الفضل، فعلمت كيف يتكسر الزهر على الحدائق، وكيف يغرس الدر في أرض المهارق.
1 / 14
فصل
في مثل ذلك نظمًا
أحسن ما قيل فيه قول ابن نباتة "
خُذها إذا أنشدتْ في القوم من طربٍ ... صدورُها عُلِمَتْ فيها قوافيها
ينسى لها الراكبُ العجلانُ حاجتَه ... ويصبحُ الحاسدُ الغضبانُ يطريها
وأنشد أبو سعد الرستمي وبالغ في الإِطراب:
قوافٍ إذا ما رواها المشو ... قُ هَزّتْ له الغانياتُ القدودا
كسونَ عبيدًا لباسَ العبيدِ ... وأضحى لبيدُ لديها بَليدا
وقول عبد الصمد بن بابك:
أَزَرتُكَ يا بنَ عبادٍ ثناءً ... كأنَّ نسيمَهُ شرقٌ براحِ
ومدحًا ناهبَ الحليَ الغَواني ... وأهدى السحرَ للحدِق الملاحِ
الباب الثاني
الربيع وآثاره وسائر فصول السنة
فصل
مدح الربيع ووصف طيبه وحسنه نثرًا
قال أبقراط: " من لم يبتهج بالربيع، ولم يتمتع بنسيمه، فهو
1 / 15
فاسد المزاج يحتاج إلى العلاج ".
وكان المأمون يقول: " أغلظ الناس طبعًا، من لم يكن ذا صبوة ".
وقال علي بن عبيدة: " الربيع جميل الوجه، ضاحك السن، رشيق القد، حلو الشمائل، عطر الرائحة، كريم الأخلاق ".
وقال آخر: الربيع شباب الزمان، ونسيمه غذاء النفوس، ومنظره جلاء العيون.
وقال آخر: قد زارنا حبيب، من القلوب قريب وكله حسن وطيب.
وقال آخر: تبلج عن وجه بهج، وخلق غنج، وروض أرج، وطير مزدوج.
وقال آخر: مرحبًا بزائر وجهه وسيم، وفضله جسيم، وريحه نسيم.
وقال آخر: تنفس الربيع عن أنفاس الأحباب، وأعار الأرض أثواب الشباب، أذال الربيع أثواب الحرير، وعبرت أنفاسه عن العبير، سحاب الربيع ماطر، وترابه عاطر.
فصل
في ذلك نظمًا
1 / 16
أحسن ما قيل في وصف الربيع وأكثره إطرابًا قول سعيد بن حميد:
طلعتْ أوائيلُ الربيع فبشرَتْ ... نَوْرَ الرياضِ بجدةٍ وشبابِ
وغدا السحابُ لذاك يسحَبُ في الثرى ... أذيالَ أسحمَ حالكِ الجلبابِ
يبكي فيضحكُ نَوْرُهُنَّ فيا له ... ضحكًا تَوَلَّدَ عن بكاءِ سحابِ
فترى السماءَ إذا أَسَفَّ ربابُها ... فكأنها كسيتْ جناحَ غرابِ
وترى الغصونَ إذا الرياحُ تناوحت ... ملتفةً كتعانقِ الأحبابِ
وأحسن منه قول البحتري:
أتاك الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكًا ... من الحسنِ حتى كادَ أن يتكلما
وقد نبه النيروزُ في غسِق الدجى ... أوائلَ ورد كنَّ بالأمس نُوِّما
يفتقُها بردُ الندى فكأَنَّه ... يبثُّ حديثًا كانَ قبلُ مكتَّما
فمن شجرٍ رَدَّ الربيعُ لباسَه ... عليه كما نَشَّرْتَ وَشْيًا مُنمنما
أحلَّ فأبدى للعيونِ بشاشةً ... وكان قذىً للعين إذا كانَ محرما
1 / 17
ورقَّ نسيمُ الريح حتى حسبتَه ... يجيءُ بأنفاسِ الأحبَّةِ نعما
وأحسن منه قول ابن المعتز:
اسقني الراحَ في شبابِ النهار ... وأنِف هَمي بالخندريس العُقارِ
ما ترى نعمةَ السماءِ على الأرضِ ... وشكرَ الرياضِ للأمطارِ
قد تولتْ زُهرُ النجومِ وقد ... بشَّرَ بالصبحِ طائرُ الأسحارِ
وغناءَ الطيورِ كلَّ صباح ... وانفتاقَ الأشجارِ بالأنوارِ
وكأن الربيعَ يجلو عروسًا ... وكأنَّا من قَطْرِه في نثارِ
وقد أحسن وأطرب ابن المعتز:
أما ترى الأرضَ قد أعطتْك زهرتَّها ... مخضرةً واكتسى بالنَّوْرِ عاريها
فللسماءِ بكاءٌ في حدائِقها ... وللرياض ابتسامٌ في نواحيها
وأطرب وأملح محمد بن سليمان المخزومي حيث قال:
نيسانُ وقتُ مسرةِ الإِنسانِ ... وأوانُ طيبِ الراحِ والرَّيْحانِ
شهرٌ له بنسيمهِ ونعيمِه ... صفةٌ تحاكي جنةَ الرضوانِ
وقال الصنوبري في تفضيل الربيع على سائر الفصول:
1 / 18
إن كان في الصيف أثمارٌ وفاكهة ... فالأرضُ مستوقدٌ والحَرُّ تنورُ
وإن يكنْ في الخريفِ النخلُ مخترفًا ... فالأرض عُريانةٌ والأفقُ مَقْرورُ
ما الدهرُ إلا الربيعُ المستنيرُ إذا ... جاءَ الربيع أتاكَ النَّوْرُ والنُّورُ
فالأرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤةٌ ... والنبتُ فيروزجٌ والماءُ بلورُ
تبارك اللهُ ما أحلى الربيعَ فلا ... تُغْرَرْ فَقائِسُه بالصيفِ مغرورُ
من شمَّ ريحَ تحياتِ الربيعِ يقلْ ... لا المسكُ مسكٌ ولا الكافورُ كافورُ
وقد ملح المُعَوّجُ الرَّقي حيث قال من أبيات:
طابَ هذا الهواءُ وازدادَ حتى ... ليس يزدادُ طيبُ هذا الهواءِ
ذهبٌ حيثما ذهْبنا ودُرُّ ... حيث دُرنا وفضة في الفضاءِ
وقلت في الصبا:
أظُنُّ ربيعَ العامِ قد جاءَ تاجرًا ... ففي الشمسِ بزّازًا وفي الريح عطّارا
وما العيشُ إلا أن تواجهَ وجهَه ... وتقضي بين الوشِي والمسكِ أوطارا
وقال مؤلف الكتاب في شتقان أجل منتزهات نيسابور
1 / 19
غفر الله له:
ولما نزلْنا بشتقان التي غدت ... وراحتْ بجناتِ الربيعِ تُشَبَّهُ
وقد برزتْ شجْراتها في ملابسٍ ... ربيعيّةٍ تحوي مدى الأنسِ كُلَّهُ
وعارضَنا ماءٌ يروقُ مصندَلٌ ... ووجهنا وردٌ يشوقُ موجَّهُ
وقهقهَ رعدٌ في السماءِ مجلجلٌ ... وفي الأرضِ إبريقُ المدامِ يُقهقِهُ
وغنى مغني العندليبِ كأنما ... يجاوبُه في حلفِه مزهرٌ له
تنزهَ سمعي ما أرادَ وناظري ... وقلبي مع الإِخوان لا يتنزَّهُ
فصل
تشبيه محاسن الربيع وما يليق به
ومحاسن الإِخوان والسادة نثرًا
غيث الربيع متشبه بكفك، واعتداله مضاه لخلقك، وزهره مواز لبشرك، ونسيمه منتسب إلى نشرك. كأنما استعار حلله من شيمك، وأمطاره من جودك وكرمك. قدم الربيع منتسبًا إلى خلقك، مكتسيًا محاسنه من طبعك، متوسمًا أنوار فضلك، متوضحًا بآثار لسانك ويدك. أنا في بستان كأنه من خلقك خلق، ومن
1 / 20
شمائلك سرق، وقد قابلتني أشجار تميل بذكر ريح الأحباب إذا تداولتهم أيدي الشراب. وأنهار كأنها من يدك تسيل، ومن راحتك تفيض. أنا على حافة حوض ذي ماءٍ قد رق، كصفاء مودتي لك، ورقة قولي في عتبك، وقد قابلتني شقائق كالزنوج، وتقاتلت فسالت دِماها وبقيت دُماها. قد سفر الربيع عن خلقك الكريم، وأفاض ماء النعيم، ونطق بلسان النسيم: جر النسيم على الأرض أزره، وحل عن جيب الطيب أُزُرَه، قد ركضت خيول النسيم في ميادين الرياض، وقد حلت يد المطر أزرار الأنوار، وأذاع لسان النسيم أسرار الأزهار، الأرض زمردة، والأشجار وشي، والنسيم عطر، والسماء شنوف، والطير قيان.
فصل
ذكر النسيم نظمًا
كان أبو بكر الخوارزمي يقول: عجبت ممن لا يرقص
1 / 21
إذا سمع بيتي أبي عبادة البحتري وهما:
تذكرنيكَ والذكرى عناءٌ ... مشابهُ فيك واضحةُ الشكولِ
نسيمُ الروض في ريح شمالٍ ... وصوبُ المزن في راحٍ شَمولِ
فهما يطربان غاية الإِطراب، ويذكران غور الشباب، وغرر الأحباب.
ومن أحسن محاسن ابن المعتز، وآخذها بمجامع القلوب وأكثرها إطرابًا قوله:
يا ربَّ ليلٍ سحرٌ كُلُّهُ ... مفتضحُ البدرِ عليلُ النسيمْ
تلتقطُ الأنفاسُ بردَ الندى ... فيه فتُهديه لحَرِّ الهمومْ
لم أعرِفِ الإِصباحَ منْ ضوئه ... بالبدرِ إلا بانحطاطِ النجومْ
ومن أحسن ملح السري وطرفه المعجبة المطربة قوله:
وحدائقٍ يسبيكَ وشُي برودِها ... حتى تشبَّههَا سبائكَ عبقرِ
يجري النسيمُ خلالَها وكأنما ... غُمِسَتْ فضولُ ردائِه في عنبرِ
وأحسن منه في بساط من الريحان:
1 / 22
وبساطِ ريحانٍ كماءِ زبرجدٍ ... عبثتْ بصفحته الجنوبُ فأُرْعِدا
يشتاقُه الشرَّبُ الكرامُ فكلما ... مرضَ النسيم سَعَوْا إليه عُوَّدا
وللإِمام ابن الرومي في وصف النسيم حيث يقول:
ونسيمٍ كأن مسراهُ في الأروا ... حِ مسرى الأرواحِ في الأجسادِ
وما أملح قول أبي الفرج الوأواء الدمشقي وأظرفه حيث قال:
سقى اللهُ ليلًا طابَ إذا زارَ طيفُه ... فأفنيتُه حتى الصباحِ عناقا
بطيبِ نسيمٍ منه يستجلبُ الكرى ... فلو رَقَدَ المخمورُ فيه أفاقا
وقول ابن بابك:
سحرُ العذارِ وثغرهُ النعماني ... حَبَسا على خلعِ العذارِ عِناني
يا حبذا وصفُ النسيمِ إذا وَنى ... وتحرشُ الريحانِ بالريحانِ
فصل
من مطربات ألفاظ البلغاء
في أوصاف البساتين
روضة رقت حواشيها، وتأنق، قد نشرت
1 / 23
طرائف مطارفها ولطائف زخارفها فطوي لها الديباج الخسرواني ودفن معها الوشي الاسكندراني.
الصابي: قد تضوعت بالأرج الطيب أرجاؤها وتضرعت بظلل الغمام صحراؤها وتفاوضت بغرائب المنطق أطيارها. بستان كأنه أنموذج الجنة. ولا يحل للأريب أن يحل به لأنه نعمة. به أشجار كأن الحور أعارتها ثيابها وقدودها وكستها برودتها وحلتها عقودها.
فصل
مطربات أوصاف الشعراء
منها قول ابن طباطبا عفا الله عنه حيث قال:
أنظرْ إلى زهرِ الرياضِ كأنّها ... وشيٌ تُنَقِّشُه الأكفُ مُنَمنمُ
والنَّوْرُ يهوي كالعقود تبدّدَتْ ... والوردُ يخجلُ والأقاحي تبسمُ
ويكادُ يذري الدمعَ نرجسُها إذا ... أضحى ويقطرُ من شقائِقها الدَّمُ
وقول الصنوبري رحمه الله تعالى:
1 / 24
يا ريمُ قُومي الآنَ ويحَكِ فانظري ... ما للربى قد أظهرتْ إعجابَها
كانت محاسنُ وجهها محجوبةً ... فالآن قد كشفَ الربيعُ حجابَها
ورد بدا مثلَ الخدودِ ونرجسٌ ... مثلُ العيون إذا رأتْ أحبابَها
وشقائقٌ مثلُ المطارفِ قد بدت ... حُمرًا وقد جُعِلَ السوادُ كِتابَها
وكأن خُرَّمها البديعَ إذا بدا ... عرفُ الطواوسِ قد مددنَ نقابَها
وثيابُ باقلاءَ يشبهُ نَوْرُه ... بلقَ الحَمامِ مقيمةً أذنابَها
لو كنت أملكُ للرياضِ صيانةً ... يومًا لما وطِىءَ اللئيمُ ترابَها
وقول السروي عفا الله عنه:
مررْنا على الروضِ الذي قد تبسمتْ ... ذُراه وأرواحُ الأباريقِ تُسْفكُ
فلم نَر شيئًا كانَ أحسنَ منظرًا ... من الروضِ يجري دمعُه وهْو يَضحكُ
وقول الكاتب البكتمري وقد ملح فيه:
وروضةٍ راضيةٍ عن الديمْ ... وطئتها بناظري دونَ القَدَمُ
وصنتها صونيَ بالشكر النعم
وقول ابن سكرة:
1 / 25
أما ترى الروضةَ قد نَوَّرَتْ ... وظاهرَ الروضةِ قدْ أعشبا
كأنما الروضُ سماءٌ لنا ... نقطفُ منها كوكبًا كوكبا
ومما يقع في كل اختيار قول سليمان بن وهب في مثل هذا:
حُفَّتْ بسروٍ كالقيانِ تلبَّسَتْ ... خضرَ الحريرِ على قوامٍ معتدِلْ
فكأنها والريحُ تخطِرُ بينها ... تنوي التعانقَ ثم يمنعُها الخَجَلْ
وبلغني أن الصاحب كان يعجب بقول ابن طباطبا ويعجبه إذا دخل بستان داره:
يا حسنَ بستانِ داري ... والوردُ يقطرُ طَلَّهْ
والسروُ قد مَدَّ فيه ... على الرياحينِ ظِلَّهْ
فصل
غناء الأطيار على الأشجار
لبعض المتأخرين:
أرى شجرًا للطيرِ فيه تشاجِرُ ... كأن صنوفَ النَّوْرِ فيها جواهرُ
كأن القماري والبلابلَ وسطها ... قيانٌ وأوراقُ الغصونِ ستائرُ
شربنا على ذاكَ الترنُّمِ قهوةً ... كأنَّ على حافاتها الدرَّ دائرُ
وأحسن منه قول أبي العلاء السروي:
1 / 26