فقال سعيد: «وما معنى تدريب الجند على هذه الصورة وما الفائدة منه؟»
فقال الرجل: «الفائدة منه عظيمة؛ لأن المائة من الجند المنظم تلاقي ألفا من غير المنظم، وهل تظن أن الجيش الفرنسي الذي جاءنا منذ نيف وعشرين سنة لو لم يكن منظما على النمط الحديث كان يمكنه أن يتغلب على فرسان المماليك الذين لا يبالون بالموت؟» فقال الجميع: «لا، بل إن النظام هو السبب الصحيح لتغلب الفرنسيين.» •••
فاستأنف الرجل كلامه قائلا: «ولأفندينا مقاصد، كل منا يعرفها، وإن يكن هو لم يطلع أحدا عليها لأن الكتاب يقرأ من عنوانه.»
فقال سعيد: «وما ظنك بمقاصده؟» فقال: «إن أفندينا أصبح بعد تربعه على عرش الولاية لا يقنع بالقطر المصري، ولا سيما بعد أن اختبر جنوده وأولاده في محاربة الوهابيين والسودانيين وغيرهم، ويقول البعض إن في نيته افتتاح بلاد الشام وما وراءها، وأنه إنما يدرب الجند لهذه الغاية.»
فقاطعه واحد منهم قائلا: «لا يبعد أن يكون ذلك صوابا، وإلا فما معنى زيارة الأمير بشير الشهابي أمير لبنان، والمفاوضة معه سرا عدة مرات.»
وتكلم أحد الرفاق قائلا: «ما لنا ولهذه الظنون، إن ذلك كله رجم بالغيب لا يعلم به أحد إلا الله، وأما الشيء الذي لا خلاف فيه فهو سعي أفندينا محمد علي الدائم لتوطيد دعائم الأمن، وافتتاح المدارس والمعامل، وغير ذلك من أسباب الفلاح، وقد علمت أنه بعث إلى فرنسا يستدعي طبيبا ماهرا لافتتاح مدرسة طبية، وهذه مأثرة عظمى أيضا.»
عرب السودان
وبينما هم في الحديث، ظهر لهم غبار عن بعد فتطلعوا نحوه، فإذا هم بفارس يسوق هجينه غاية جهده، وهو ملثم بكوفية، يظهر من هيئته أنه من أهل السودان، فلما اقترب منهم أمسك بزمام الهجين، وسار سيرا حثيثا حتى رآهم وحياهم، فألفوه أحد ضباط إسماعيل باشا، وقد عرفوه، فسألوه عن سبب مجيئه وحده في تلك الصحراء، فقال إنه آت من الخرطوم ومتوجه إلى القاهرة بكتب إلى العزيز من ولده إسماعيل.»
ثم سألوه عن الأحوال فقال: «إن جنودنا ساروا حتى افتتحوا الخرطوم، ثم خضعت لهم الشائقية، ثم سار إسماعيل باشا بجنوده حتى أتى جبل فزغل، فاكتشف معدن الذهب، غير أن وباء أصاب الجنود فاضطر إلى العودة. وقد تركته بجهات الخرطوم ، وجئت بالأخبار إلى والده في القاهرة.»
فقال سعيد: «هل لك أن تخبرني عما إذا كانت حملة الأرناءوط والمغاربة التي توجهت أخيرا لمعاونتكم قد وصلتكم؟» قال: «نعم قد وصلت منذ زمان، وقد اختلطت الآن بجنود إسماعيل؛ لأن كثيرا من رجالها قد قتلوا في الحروب فألحق من بقي بجيش إسماعيل، وهم قادمون إلى جهات شندي لجمع الرجال وجباية الأموال، بعد أن تركوا أحمد بك الدفتردار بما بقي من الجند في سنار.»
Shafi da ba'a sani ba