من سنة 1213ه/1798م إلى 1216ه/1801م
وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر عندما كان القطر في أحط درك من الوجهتين الزراعية والمالية، ولا يخفى أن هاتين المسألتين مرتبطتان ببعضهما بحكم الطبيعة ارتباطا لا انفكاك له، لا سيما في بلد كمصر أساس معيشته الزراعة.
ومع أن علماء الحملة الفرنسية قتلوا كثيرا من المشروعات النافعة بحثا وتمحيصا، واتخذت هذه المشروعات بعد سفر الحملة أساسا لجميع الأعمال العظيمة التي تمت بمصر، فقد تعذر على الحملة نفسها تنفيذ أي مشروع منها لقصر المدة التي أقامتها بمصر، ولانشغالها بصد الغارات التي كانت تلاقيها من الخارج، حتى إن الإنسان لا يخطئ محجة الصواب إذا قال: إن الحملة تركت مصر بالحالة التي وجدتها عليها. ومع هذا فالعلم لا يستطيع أن ينكر على أولئك العلماء ما سطرته أيديهم البيضاء من الأعمال المجيدة ذات النتائج الباهرة التي تركوها ميراثا للخلف، وما أسدوه من العوارف بتدوين كتاب «وصف مصر»، وغير ذلك من المآثر التي لا يمحيها كر الأيام ومر الأعوام، أضف إلى ذلك دقة نظرهم وبعده، لدرجة يستطيع معها المرء أن يقرر بدون أن يفتات على الحقيقة أنهم استشفوا بثاقب فكرهم من وراء حجب الغيب حاجات الأجيال القادمة.
وقد وصف مساحة هذا البلد أمير الألاي جاكوتان
Jacotin
في بيانه الذي وضعه عن مساحة القطر المصري في كتاب «وصف مصر» (ج2 ص571) فقال:
إن مصر من جزيرة فيلة إلى القاهرة لا تعتبر إلا واديا طويلا ضيقا يتجه من الجنوب إلى الشمال بين خطي العرض 25 1 24° و8 2 30°، وفي وسط هذا الوادي يجري النيل، ويبلغ طوله من النقطة التي يدخل منها أرض مصر إلى أن يصب في البحر مائة وثلاثة وعشرين مريامترا، أي مائتين وستة وسبعين فرسخا وثلاثة أرباع الفرسخ.
ويتغير قبيل القاهرة اتجاه الجبال التي تحد هذا الوادي، فالجبال التي على الشاطئ الأيمن للنيل تتجه نحو الشرق وتمتد إلى قرب السويس، بينما التي على الشاطئ الأيسر وهي أقل كثيرا من الأولى في الارتفاع تميل نحو الشمال الغربي، وتنخفض انخفاضا بينا عند دنوها من البحر.
وعلى مسافة 31 كيلومترا من شمال القاهرة يتفرع النيل إلى فرعين يكونان مع الأراضي المحصورة بين مصبيهما في البحر مثلثا كان يعرف عند القدماء باسم «الدلتا»، ويوجد أيضا ترع أخرى متفرعة من النيل ومن فرعيه تكون مثلثا آخر فيه تنحصر الدلتا من الجهتين، وهو يختلف قليلا عن الأول في الارتفاع إلا أن قاعدته أكبر كثيرا، وهذه القاعدة تحدها الأطراف القصوى التي يمكن أن يصل إليها ماء النيل، أي من طرف بحيرة مريوط الغربي قرب برج العرب إلى مصب الفرع البيلوزي المعروف الآن بفرع الطينة قرب بيلوز، وتقع هاتان النقطتان بين خطي الطول 30 14 27° و30 16 30°، والمسافة التي بينهما على خط مستقيم ومقدارها 291 كيلومترا، أي
من الفراسخ، ويبلغ طول شاطئ البحر الذي يفصلهما 378,9 من الكيلومترات أو
Shafi da ba'a sani ba