282

Kudin Misra

مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن

Nau'ikan

قال المقريزي في خططه ج1 ص88:

لما كانت الأيام الناصرية راك الناصر محمد البلاد، قال جامع السيرة الناصرية: وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة (1315م) اختار السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يروك الديار المصرية، وأن يبطل منها مكوسا كثيرة ويفضل لخاص مملكته شيئا كثيرا من أراضي مصر، وكان سبب ذلك أنه اعتبر كثيرا من أخباز المماليك والحاشية الذين كانوا للملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير والأمير سلار وسائر المماليك البرجية، فإذا هي ما بين ألف دينار إلى ثمانمائة دينار، وخشي من قطع أخباز المذكورين فولد له الرأي مع القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش أن يروك ديار مصر، ويقرر إقطاعات مما يختار، ويكتب بها مثالات سلطانية، فتقدم الفخر ناظر الجيش لدواوين الجيش بعمل أوراق بما عليه عبر النواحي ومساحتها، وعين السلطان لكل إقليم من أقاليم ديار مصر أناسا، وكتب مرسوما للأمير بدر الدين جنكل بن البابا أن يخرج لناحية الغربية ومعه أعزل الحاجب، ومن الكتاب المكين بن فرويته، وأن يخرج الأمير عز الدين أيدمر الخطيري إلى ناحية الشرقية ومعه الأمير أيتمش المحمدي، ومن الكتاب أمين الدولة ابن قرموط ، وأن يخرج الأمير بلبان الصرخدي والقليجي وابن طرنطاي وبيبرس الجمدار إلى ناحيتي المنوفية والبحيرة، وأن يخرج البليلي والمرتيني إلى الوجه القبلي، وندب معهم كتابا ومستوفين وقياسين فساروا إلى حيث ذكر، فكان كل منهم إذا نزل بأول عمله طلب مشايخ كل بلد ودللاءها وعدولها وقضاتها وسجلاتها التي بأيدي مقطعيها، وفحص عن متحصلها من عين وغلة وأصناف، ومقدار ما تحتوي عليه من الفدن ومزروعها وبورها، وما فيها من ترائب وبواق وخرس ومستبحر، وعبرة الناحية وما عليها لمقطعيها من غلة ودجاج وخراف وبرسيم وكشك وكعك وغير ذلك من الضيافة، فإذا حرر ذلك كله ابتدأ بقياس تلك الناحية، وضبط بالعدول والقياسين وقاضي العمل ما يظهر بالقياس الصحيح، وطلب مكلفات تلك القرية وغنداقها، وفضل ما فيها من الخاص السلطاني وبلاد الأمراء وإقطاعات الأجناد والرزق حتى ينتهي إلى آخر عمله. ثم حضروا بعد خمسة وسبعين يوما وقد تحرر في الأوراق المحضرة حال جميع ضياع أرض مصر ومساحتها وعبرة أراضيها، وما يتحصل عن كل قرية من عين وغلة وصنف، فطلب السلطان الفخر ناظر الجيش والتقي الأسعد بن أمين الملك المعروف بكاتب سرلغي وسائر مستوفي الدولة، وألزمهم بعمل أوراق تشتمل على بلاد الخاص السلطاني التي عينها لهم وعلى إقطاعات الأمراء ، وأضاف على عبرة كل بلد ما كان على فلاحيها من ضيافة لمقطعيها، وأضاف إلى العبرة ما في الأقطاع من الجوالي، وكتب مثالات للأجناد بإقطاعات على هذا الحكم، فاعتد منها بما كان يصرف في كلف حمل الغلال من النواحي إلى ساحل القاهرة وما كان عليها من المكس. ا.ه.

وقد ألغى السلطان الناصر عددا كبيرا من الضرائب الجائرة، وبذلك خفف عن البلاد الأعباء الثقيلة التي كانت رازحة تحتها. وإليك ما قاله المقريزي أيضا بالصفحة 88 في هذا الصدد:

وأبطل السلطان عدة مكوس منها مكس ساحل الغلة، وكان جل متحصل الديوان، وعليه إقطاعات الأمراء والأجناد، ويتحصل منه في السنة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف درهم، وعليه أربعمائة مقطع، لكل منهم من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف، ولكل من الأمراء من أربعين ألفا إلى عشرة آلاف، وكانت جهة عظيمة لها متحصل كثير جدا، وينال القبط منها منافع كثيرة لا تحصى، ويحل بالناس من ذلك بلاء شديد وتعب عظيم من المغارم والظلم، فإن مظالمها كانت تتعدد ما بين نواتية تسرق، وكيالين تبخس، وشادين وكتاب يريد كل منهم شيئا، وكان مقرر الإردب درهمين للسلطان، ويلحقه نصف درهم غير ما ينهب ويسرق، وكان لهذه الجهة مكان يعرف بخص الكيالة في ساحل بولاق، يجلس فيه شاد وستون متعمما ما بين كتاب ومستوفين وناظر، وثلاثون جنديا مباشرون، ولا يمكن أحدا من الناس أن يبيع قدحا من غلة في سائر النواحي، بل تحمل الغلات حتى تباع في خص الكيالة ببولاق.

ومما أبطل أيضا نصف السمسرة، وهو عبارة عن أن من باع شيئا من الأشياء فإنه يعطي أجرة الدلال على ما تقرر من قديم عن كل مائة درهم درهمين، فلما ولي ناصر الدين الشيخي الوزراة قرر على كل دلال من دلالته درهما من كل درهمين، فصار الدلال يعمل معدله، ويجتهد حتى ينال عادته، وتصير الغرامة على البائع، فتضرر الناس من ذلك وأوذوا فلم يغاثوا حتى أبطل ذلك السلطان.

ومما أبطل رسوم الولاية، وكانت جهة تتعلق بالولاة والمقدمين، فيجبيها المذكورون من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش، ولهذه الجهة ضامن، وتحت يده عدة صبيان، وعليها جند مستقطعون وأمراء وغيرهم، وكانت تشتمل على ظلم شنيع وفساد قبيح وهتك قوم مستورين وهجم بيوت أكثر الناس.

ومما أبطل مقرر الحوائص والبغال من المدينة وسائر أعمال مصر كلها من الوجه القبلي والبحري، فكان على كل من الولاة المقدمين مقرر يحمل في كل قسط من أقساط السنة إلى بيت المال، عن ثمن حياصة ثلاثمائة درهم، وعن ثمن بغل خمسمائة درهم، وعلى هذه الجهة عدة مقطعين، ويفضل منها ما يحمل، وكان يصيب الناس من هذه الجهة ما لا يوصف، ويحل بهم من عسف الرقاصين ما يهون معه الموت.

ومن ذلك مقرر السجون، وهو عبارة عما يؤخذ من كل من يسجن، فللسجان على حكم المقرر ستة دراهم سوى كلف أخرى، وعلى هذه الجهة عدة مقطعين، ويرغب فيها الضمان، ويتزايدون في مبلغ ضمانها لكثرة ما يتحصل منها، فإنه كان لو تخاصم رجل مع امرأته أو ابنه رفعه الوالي إلى السجن، فبمجرد ما يدخل السجن ولو لم يقم به إلا لحظة واحدة أخذ منه المقرر، وكذلك كان على سجن القضاة أيضا.

ومن ذلك مقرر طرح الفراريج، ولها ضمان عدة في سائر نواحي أرض مصر يطرحون على الناس الفراريج، فيمر بضعفاء الناس من ذلك بلاء عظيم، وتقاسي الأرامل من العسف والظلم شيئا كثيرا، وكان على هذه الجهة عدة مقطعين، ولا يمكن أحدا من الناس في جميع الأقاليم أن يشتري فروجا فما فوقه إلا من الضامن، ومن عثر عليه أنه اشترى أو باع فروجا من سوى الضامن جاءه الموت من كل مكان، وما هو بميت.

ومن ذلك مقرر الفرسان، وهو عبارة عما يجبيه ولاة النواحي من سائر البلاد، فلا يؤخذ درهم مقرر حتى يغرم عليه صاحبه درهمين، ويقاسي الناس فيه أهوالا صعبة.

Shafi da ba'a sani ba