لما فتح الرومان مصر استبد بها أغسطس لنفسه، ولم يجعلها تابعة لمجلس الشيوخ ولا لخزانة الدولة في إدارتها وماليتها، بل جعلها ملكا خاصا به وببيته تعود عائدتها المالية على خزانته الخاصة، وكان يدير شئونها هو بنفسه بواسطة وال يرجع إليه رأسا وليست له صفة الحكام الرومانيين، وكان هذا الوالي يمثله في جميع الحفلات والأعياد الوطنية، وقد دفع أغسطس إلى هذه التدابير الشاذة التي غض فيها الطرف عن غيره ما رآه من أهمية سياسة هذا الإقليم الذي كانت غلاله ضرورية لسكان روما، فضلا عن أن موقعه الحربي الهام كان مصدر خطر دائم على سكينة روما وطمأنينتها، بل على سلامة التاج نفسه فيما إذا ثار حاكم هذا الإقليم.
وبهذه التدابير أمست أملاك البطالسة ملكا له، وصارت الضرائب التي تؤخذ منها وقفا على خزانته الخاصة، وفضلا عن هذا قد حظر بادئ بدء على أعضاء مجلس الشيوخ وعلى الأعيان ذوي المقامات العالية الذهاب إلى مصر، كما عين في ولايتها أحد النبلاء، واعتبره موظفا عنده خاصا به.
وقد كان لولايتي مصر وإفريقية من بين جميع ولايات الإمبراطورية الرومانية اعتبار خاص، فلم تكونا مكلفتين كغيرهما من الولايات بتموين الجيوش المحتلة والقيام بحوائج الموظفين فقط، بل كان عليهما أيضا أن تمونا مدينة روما، ثم القسطنطينية فيما بعد ذلك من الزمن.
فمصر وحدها كانت تغذي من قمحها مدينة روما مدة أربعة أشهر (راجع كتاب يوسف
joséphe
ج2 الفقرة 386)، وكانت الكمية التي ترسلها إليها عشرين مليون مدي من القمح (راجع كتاب أوريليوس فكتور
Aurelius Victor
الرسالة الأولى) وهي تساوي 4400000 إرتب أو 880000 إردب تقريبا، ثمنها باعتبار سعر الإردب 35 قرشا 308000ج.م وهذا المبلغ هو قيمة الغلال التي كان يأخذها الرومان من مصر.
ويمكننا من هذا الاستهلاك أن نقدر عدد سكان روما في ذلك الحين، وطريقة ذلك أن المعتاد في مصر أن يستهلك كل شخص ويبة قمح في الشهر (
إردب قمح)، فيكون عدد سكان تلك المدينة بناء على هذه القاعدة وعلى المدة والكمية السابقتين هو1320000 نسمة.
Shafi da ba'a sani ba