قالت: إن ما ذكرت لهذه الفتاة من المناقب الجليلة والمزايا الجميلة أمال قلبي إليها قبل رؤيتها، فعليك أن تحضرها إلي غدا أجعلها كابنتي في بيتي، أكرم مثواها وأرفع منزلتها، وهكذا يسلم عرضها من اللوم، ويحفظ شرفك بين الناس من الأذى، ثم نهضت إلى حجرتها، وهي تؤكد عليه بإحضار الفتاة في الغد.
فانفصل عنها فؤاد مقبلا يديها شاكرا لطفها بقوله: جعلتني أماه غريق بحر أفضالك، فأنت قدوة الأمهات الصالحات، ومنك يتعلمن الرقة والحنان، فلك العهد علي باتباع شورك وامتثال نصيحتك والسعي في مرضاتك، وأرى تمام سعادتي بسماعك تقولين لي: هناك الله بعفيفة، وتكونين قد أحببتها ورضيتها لي زوجة.
فدخلت سيدة إلى حجرتها، واتكأت على مقعد شاخصة إلى العلا، وتنفست الصعداء وقالت مستغفرة: اللهم عفوا عما أتيت في هذا اليوم من المنكر، فقد كذبت على فؤاد وخدعته بقولي: إني راضية عن عفيفة، وإني أحبها وأشتاق رؤياها ، والأمر بالعكس، والغاية أني أريد أن أفرق بينهما، ولكنه لسلامة قلبه وصفاء نيته انخدع لقولي، واعتقد بخلوص طويتي، فأنت أيها العالم بخفايا القلوب اغفر لي خطيئتي، وتجاوز عما اقترفت، فقد قيل: إن نبل الغاية يبرر الوسيلة، وغايتي حميدة ألا وهي سعادة ولدي بزواجه بسعدى الفتاة الغنية وبعده عن عفيفة، لأبعد عنه الشقاوة والتعاسة، ثم أنشدت هذين البيتين قائلة:
يا واسع اللطف قد قدمت معذرتي
إن كان يغني عن التفصيل إجمال
أصبحت بين يديك اليوم مغفلة
ولي بنفسي عن الأغيار إشغال
فجد علي ولاطفني بعفوك عن
ذنبي فشأنك إنعام وإفضال
الفصل الخامس عشر
Shafi da ba'a sani ba