فتنهد فؤاد، وجعل يتوجع لعفيفة ويحزن لحزنها وروعتها، ثم قال للخادمة: تممي حديثك.
قالت: كانت سيدتي تقول لي: إنها تسمع في هزيز الريح رقة صوت أمها وأبيها، وأكثر ما ترجعه الريح صوت أمها لقرب عهدها بالوفاة فتهيج بها الأشجان وتبتل الدموع منحدرة على الخدين، حتى بكيت لبكاها، وما زالت - وزلت كذلك - حتى مضى هزيع من الليل، وكان قد أعياها التعب وأضناها الكلال والبكاء، فأخذت بيدها وأضجعتها على سريرها فغالبها النوم، فما أفاقت من سباته إلا عند الظهيرة.
قال فؤاد: لعلها تتذكر ما حصل منها في الأمس.
قالت: ما أظن أنها تتذكر شيئا، فهي لم تفه بشيء ما في هذا اليوم.
قال: إذن لا تذكريها بشيء، وأنا مسرور منك للغاية، فامكثي في مكانك فإني ذاهب إليها بنفسي، وكان الكشك في وسط الجنينة شبيها بحجرة صغيرة يصعد إليه بثلاث درجات من الخشب، وله نافذة من الجهة الشرقية تطل على سياج البستان، وكان مستدير الشكل يحيط به النبات الأخضر، فيظهر من الخارج كالقبة الخضراء حوله الأشجار قائمة، وبالقرب منه تحت النافذة قناة تجري فيها الماء، وفي داخل الكشك عند النافذة مقعد من الخشب كانت عفيفة جالسة عليه وفي يدها كتاب تقرؤه، إذ دخل فؤاد فتهلل وجهها، وأشرق جبينها فهبت إليه مسرعة، فبادرها بالتحية القلبية، وأجلسها على المقعد جاعلا يده في يدها.
وقال لها: إنه محبور لانشراح صدرها.
قالت: تأخرت في هذا اليوم عني، فانشغل بالي كثيرا، وظللت أفكر وأخمن وأظن الظنون في غيابك، وأسأل نفسي عن السبب في تأخيرك.
قال: هل استعملت الاستخارة للعلم بوقت حضوري؟
قالت: بل كنت أستشير هذا الكتاب فأفتحه على الصدفة فأعد سبعة أسطر من صفحاته على اليمين ثم أقرأ، فإن وجدت الكلام خيرا تباشرت بمجيئك، وإلا تولاني الغم والكدر.
قال فؤاد ضاحكا: أعندك علم الغيب؟
Shafi da ba'a sani ba