قالت: نصدقك حين تقول على سعدى إنها مجردة من الحسن والجمال، ولا نوافقك حين ترميها بسوء الأدب، فأنا أعرف منك بها، وقد اختبرتها فوجدتها معدن اللطف والظرف، على غاية التأدب، عاقلة، مهذبة، لينة الجانب، زكية، لا تجد فيها عيبا يقدح بأدبها، فهي ملك كريم، حوت صفات الكمال، ولا مبالغة في القول.
قال: صدقت، فهي بالحقيقة ملك أظافره أطول من أجنحته.
قالت: أراك قد صدقت قذف أخيها.
قال: إن لم أصدقه، فمن أصدق؟ وأي فائدة له حتى جاء يثلبها ويكذب علي قاذفا بها على علمه بأني أرغب في زواجها، ولقد تدبرت قوله فوجدت أخباره صحيحة لا ريب فيها، فالفتاة مجردة من محاسن الأخلاق والخلق، ليس فيها شيء من المحامد التي تعشق في النساء، فلو تزوجت بها أقمت تعيسا طول حياتي، وأقامت هي تعيسة مثلي، فيكون اقتراننا مجلبة الشقاوة والنكد لي ولها، فهل ترضين لي ذلك؟ وقد وضحت لك أن بين طباعي وطباعها تباعدا كثيرا واختلافا وافرا، والبون عظيم في الأخلاق والأفكار والمشارب، فلو تزوجت بها ظلمت نفسي وظلمتها ، والظلم ممنوع في سائر الأديان، والعاقل من يسعى لسعادته وراحته في هذه الدنيا، فهل من ملام علي إن عملت لخيري ودفعت عن نفسي الكدر والغصة وأنا لم أرتبط بوعد؟! تذكري يا أماه أن المحبة أساس راحة العائلة، بوجودها توجد السعادة، وبفقدها تفقد، ويتغلب سلطان الشر، وتتوفر أسباب الخصومة والعدوان، وتنفى السكينة، ويستمر الويل والثبور، إن كان يقبل بذلك عاقل فهذا الذي يحملني على الامتناع، وإني لا أتزوج إلا امرأة أحبها، فلو بذل لي مال قارون - المشهور بالغنى - على أن أتزوج بامرأة لا تناسبني لما قبلت، وفضلت المقام عازبا أبد أيامي، ولو ذقت أشد العذاب والفقر والفاقة.
فلما رأت سيدة تهيج أفكار فؤاد علمت أنها تضرب في حديد بارد، فرأت أن تؤجل الكلام في هذا الموضوع إلى وقت آخر على عادة دهاة الناس وحذاق السياسة، فإنهم عند سقوط برهانهم وضعف حجتهم يطلبون تأجيل المناقشة في أمر إلى وقت آخر لعل الله يفتح لهم يسرا.
ثم إن سيدة قالت لفؤاد: مسألتنا دقيقة تحتاج إلى التروي والتدقيق، وأنت الآن في حدة تمنعك من النظر والتمحيص، وأراك حاقدا علي تنظر إلي شزرا، أخاطبك فتأخذ خطابي على غير وجهه، وتحمله على البغض لك، وأنت غير مصيب في زعمك، فإني ما أكلمك إلا بحقوق الأم على ابنها؛ لأردعك عن غيك وغوايتك، فلو كان ما تقول صحيحا على سعدى ونسبتك الجهل وقلة الأدب إليها، فإني أول ناصح لك بالابتعاد عنها، فدعنا الآن من هذا الحديث ولا لزوم لتحضر معي في الزيارة، فإني سأعتذر عن غيابك بما يحضرني من الأعذار.
قال: ما الفائدة من مقابلتها بعد هذا الذي سمعته عليها؟
قالت: وعدتها منذ يومين بالزيارة، فوجب علي القيام بما وعدت سواء رغبت في زواجها أو لم ترغب، وإن شاء أخي همام مرافقتي فمن فضله.
قال همام: بالله أن تعافيني من هذه الزيارة، فلا تنقبض روحي لسماع القيل والقال. وبينما هم كذلك دخل الخادم مخبرا بقدوم سعيد ورغبته في مقابلة فؤاد فانكمش وجه سيدة، وأمرت فؤادا أن يستقبله في حجرته الخصوصية لعدم قدرتها على رؤيته، فخرج فؤاد يستقبله، ونزل الخادم يحضر لسيدته العربة، وخرج همام إلى النزهة.
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba