قال فؤاد: أي شيء تحبه من أخباري وتنشرح لسماعه؟
قال سعيد: لك علي قول الصدق لغير رياء، إن شقيقتي لا تسأل عن مزاياك الحميدة وأدبك وحشمتك وذكائك ولطفك ودعتك ورقة جانبك، فإنها متكبرة لا تحتفل بهذه الصفات، وإنما تتحدث في شرف أصلك ونسبك بما جبلت عليه من حب الفخفخة والعظمة، وقد بلغتها المفاوضات الحاصلة في شأن زواجك بها، فجعلت تنظر إلينا بعين الاحتقار كأننا أوضع منها أصلا، وقال محتدا: ولا شك أن ذلك من قصر العقل وقلة التمييز.
وكان سعيد قد شرب كأسه، فسكب له فؤاد، وهو يقول في نفسه: رحم الله عاصر الشراب، فأقف في هذه الليلة على طباع وأخلاق مخطوبتي، وأعلم الحقيقة المكتومة، ثم إنه ناول سعيد الكأس ليشربها، فقال والكأس في يده: ليتك يا فؤاد كنت حاضرا فترى حركاتها، وتسمع حديثها عند تعريفها بذكرك وافتخارها بنسبك، وأنها ستكون لك زوجة، فتبدو منها إشارات الطرب، وتهتز كما يهتز الأحداث عندما يعطون ألعوبة أو شيئا من الحلويات، فيكون نصيبها مني أني أعبث بها بما أوتيت من الإدراك فأوبخها على حديثها لو أنها تسمع تأنيبا، وأكرر عليها القول فتجاوبني بالشتم وتهينني فأشاتمها وتشاتمني، ويقع بيننا النزاع، فلا تلمني إن قلت لك الحق، ولا تعتب علي إن رأيتني لا أحبها؛ إذ لا شيء فيها يحب.
ثم إنه شرب الكأس وقدمها لفؤاد فملأها، وجعلها على المائدة أمامه وقال: وأخبرك على سبيل المباسطة بما حصل بيني وبينها وأنا في حداثة السن، فقد كنا كلانا كالعدو مع عدوه لا نتفق، والخصام مستمر بيني وبينها، فكنت أقوى جسما منها، وهي أشد مكرا مني وخبثا، ومن مكيدتها أنها لا تقلم أظافرها حتى إذا وقع بيني وبينها خلاف هجمت علي وهشمتني، فما تنفصل عني إلا وقد خمشت وجهي وشوهتني، وقد نبهتها كثيرا لتقطع أظافرها التي هي أشبه شيء بالمخالب أو بأسنان مسنونة فلم تفعل، فبينما كانت تنازعني يوما من الأيام، وثبت علي وثبة الأسد الضاري، وخمشت وجهي بأظافرها حتى سال الدم منه، وشعرت بألم لا مزيد عليه، فكنت من شدة الغيظ لا أهتدي، فبادرتها بضربة عنيفة على رأسها، ولكنها أفلتت مني، وأسرعت وراءها فلم أدركها؛ لشدة عدوها، فتناولت حجرا صغيرا رجمتها به بمنتهى عزمي وقوتي فأصاب وجنتها، وقلع لها ضرسا من الأضراس، وبقي أثر الجرح في وجهي ظاهرا مدة شهرين، وكادت تشوه خلقتي.
قال فؤاد: لله درك ما أشد بأسك وانتقامك! أنت على الوصية بأن تعتدي على من اعتدى عليك، وعلى مذهب النبي موسى بمعاملة الناس بالمثل.
قال سعيد: عاملتها كما عاملتني، هشمت وجهي، وكسرت ضرسها، فعدوان بعدوان. وقد كان لهذه الحادثة شأن كبير بيني وبينها، وترتب على ذلك العداوة الخالدة، فتراني حاقدا عليها، وتراها ساعية في الانتقام مني، وكلانا محاذر من الآخر.
قال فؤاد: لم أشاهد لها سنا مفقودة، فالظاهر أن قد نبت لها ضرس جديدة، إذ كنتما في حداثة السن أثناء تلك المشاجرة.
قال سعيد: كان عمرها في ذلك الحين ست عشرة سنة، ولا تنبت الأسنان في هذا الدور من أدوار الحياة على أن والدي صنع لها سنا صناعية عوضا عن المفقودة، فلا تستطيع أن تميزها عن الطبيعية إلا بشدة بياضها إن دققت النظر.
فعندما سمع فؤاد ذلك تعجب واهتز مقشعرا، فاستتبع سعيد الكلام قائلا: وقد جاء تركيب السن في غاية الإحكام بحيث يستحيل الفرق بينها وبين بقية الأسنان، وهي في الفك الأعلى وبعد زواجك تتذكر قولي، وتخبر شقيقتي بحديثي، فترى كيف تغضب وتصخب، وربما أخذتني على كلامي، وأكون قد أخطأت بما أخبرتك، إذ كان الواجب علي السكوت، ولكن الحق عليها لا علي إذ نصبت لي العداوة، فلا بد أن أنتقم منها، ولست أنتقم إلا بالحق.
فاستغرب فؤاد من هذا الأمر، وكان يقول في نفسه: أود أن يعلم خالي همام بهذه الحادثة، فلعله يقنعني بأن قلع الأضراس من المحاسن في المرأة.
Shafi da ba'a sani ba