بخروج همام وابن أخته أوصيا خادم الفندق بأن يستدعيهما عند ذهاب المرأة الزائرة، وانطلقا يمشيان قريبا من قهوة البورس، وكان على وجه همام الوجوم، وفي قلبه الكدر، ورأسه يهتز من الغيظ، وأسنانه تصطك حنقا، وفؤاد إلى جانبه يجيل أفكاره في أمر الأخت وأخيها ملتزما الصمت حتى بدا له أن يسأل خاله مستفهما بقوله: أكان في علمك أن لغانم أختا؟
فأجابه خاله مستغربا من سؤاله بقوله: أي عجب أن يكون له أخت كما لغيره من الناس؟!
قال فؤاد: ما هذا مقصدي، بل سؤالي: هل كنت تعرف أن لصاحبنا شقيقة على هذه الحالة، قد رأيتك متكدرا من أجلها؟!
قال همام: لا تلمني، فإني سريع الغضب، أتكدر من أقل شيء، وفي دمي حرارة لم تبردها الستون من عمري، فكأنني لا أزال في ريعان الشباب، ولتعلم أنني لم أتكدر من شناعة منظر هذه المرأة، بل إن تأخري عن أكل الطعام في المواعيد هو الذي كدرني وأزعج معدتي. ولا يخفى عليك أن المعدة أساس قوام الجسم وعليها مداره، بل هي مصدر الحياة، إن اعتلت؛ اعتلت سائر الأعضاء، فلا تعجب إن رأيت مني اهتماما بشأنها، وقد قرأت في الكتب الطبية أن الخروج عن العادة يهلك الأجسام، وأن التأخر عن مواعيد الطعام يورث الخلل في المعدة؛ فتبطئ حركتها، ويكسل الجسم عن القيام بوظائفه، وأكثر عجبي من الناس الذين يدعون التمدن ولا يراعون الواجبات الصحية فيخلفون موعد الأكل.
قال فؤاد: صدقت في قولك. وإنما أرجوك أن تجاوبني عن سؤالي الأول: هل كنت تعرف قبل الآن أن لصاحبنا غانم شقيقة؟
قال همام: سمعت أن له أختا تزوجت برجل رزقت منه بفتاة جميلة، وأن أخته لم تقم مع زوجها أمدا مديدا حتى توفي، فتزوجت برجل آخر اسمه قاسم، كان في خدمة أخيها غانم، وكانت تزيده بعشر سنوات، وقد علمت أنه سيئ الطباع، ذميم السيرة، قبيح السريرة، فهي في عناء مستمر من معاشرته، فلو قسم الرحمن لك الزواج بسعدى ابنة صاحبنا غانم، كانت المرأة عمة لعروستك.
قال فؤاد: أسأل الله ألا يتصل نسبي بهذه العائلة إن ملت إلى الزواج يوما.
قال همام: أراك رجعت إلى المحاولة والقول السخيف، وأرى حجتك ضعيفة في عدم الزواج بسعدى لكونها غير جميلة، والحال - كما قدمت - أن الجمال لا عبرة به عند المتزوج، فدولة الحسن - كما قيل - زائلة يتبعها زوال الحب والسآمة والضجر، والحكيم الحازم من ينظر إلى ثروة المرأة وعلمها، فإن كانت غنية كسعدى فمن الغلط تأخره عنها، والغنى أساس كل سعادة وهناء، فاجعل في خاطرك أن من كان حسيبا كريم الأصل نظيرك لا يجدر به الزواج إلا بامرأة غنية، تمكنه بغناها من المحافظة على مقامه وشرف اسمه.
قال فؤاد: إذن أتزوج غناها، وهي تتزوج حسبي ونسبي؟
قال همام: وأي حرج في ذلك؟! أليس الزواج واحدا على اختلاف علله وظواهره؟! ابحث قليلا عن الغنى تجد أكثره من مال الزوجة، فقد أصبح الزواج في عهدنا مربوطا بالثروة، وما ترى للابنة الجميلة الحسناء خاطبا إلا إذا كان المال موفورا عندها، فما الذي تنكر - والحالة هذه - وتكره بسببه زواجك بسعدى؟! هل كبر عليك أن تكون نسيبا لهذه المرأة المسكينة ، أو تجد في ذلك عارا؟! فأنت في سائر الأحوال حر بأن تقطع العلاقة مع أهلها، وتسد عليها بابك، فلا تنزعج بقربها.
Shafi da ba'a sani ba