قالت: لا صحة للجناية المنسوبة إليه، وليست هي على شيء من الحقيقة، ولم يحصل الخطف البتة.
قال همام: هذا اعتقادي، فقد كنت في الأمس بالقرافة، فرأيت عفيفة تسلم نفسها إليه برضائها وقبولها وبغير إكراه، على أن الصعوبة أن تقنع قضاة المحكمة بذلك، فإنه قد اتخذوا عادة لهم معاملة كبار القوم بالقسوة والصرامة رياء؛ للإيهام بأنهم مستقيمو الرأي، أفكارهم حرة، لا يحابون ولا يخافون بالقضاء في الحق لومة لائم، فسيان عندهم الحكم حقا أو ضلالا، فكل قصدهم تحصيل الشهرة ولو موهومة، وأضاف: إن المسألة أضاعت رشدي، وأقلقت بالي، فلا أعلم ماذا أصنع.
ثم إنها قرعت الجرس الصغير، وكان على مائدة أمامها، فجاء الخادم فقالت له: يجب عليك أن تخبرني بحضور فؤاد بدون تأخير.
فقال الخادم: سمعا وطاعة.
ثم قالت لأخيها: إن أمر فؤاد غريب، فقد خرج بعد الظهر قبل حضورك عندي مع غانم، وها قد انتصف الليل ولم يحضر، فأفكاري من جهته، اللهم نجنا من كل مصيبة، اللهم افرج همي ولا تعاملني بخطيئتي، وأرح سري بفضلك وإحسانك، وأزح ظلمات هذه الكروب.
قال همام: إن في تصاريف الزمان لعبرة للوالدين الذين يشددون المضايقة على أولادهم ويقترون عليهم، حتى إذا بلغوا أشدهم خلعوا الطاعة، واندفعوا وراء أهوائهم، واسترسلوا في الغوايات، وأتوا كل منكر، فيجلبون لأنفسهم ويلا وثبورا ولوالديهم مزيد الشقاء والعناء، فلو أن الآباء عاملوهم بتؤدة وحلم، ومنحوهم شيئا من الحرية بقدر ما يلزم لسنهم؛ لوقوهم العثار وحفظوهم من الوقوع في مهاوي الفساد والضلالات، وكفوا أنفسهم العناء في الكبر، ثم من خصوص فؤاد أني لا أرتاب بإمكان إصلاح أمره وهدايته إلى الصراط المستقيم.
قالت: لست يا أخي خبيرة بطباعه وتقلب أهوائه، فهو يصبو إلى المحاسن الفكرية، ويولع بالتصورات والغزل الشعري حبا بالأدب لا بطبيعة الفساد وشهوة المعاصي، فقد نشأ على مبادئ شريفة جميلة، وعنده حياء تام وذمة نقية، ولم يكن كالشبان الأغرار المجردين من حسن السجايا والكمالات، ولقد أخبرني بقصته مع الفتاة من الأول إلى الآخر، فما وجدته مخطئا في تصوره أو ملوما في سيرته، والدليل على مقدار شهامته أنه أقام معها كل هذه المدة، فلم يحد عن سنة الشرف والعفاف محافظا غيورا عليها كالشقيق على شقيقته، شفوقا كالوالدة على ولدها، فهل تجد مثل هذه الأخلاق في شبان هذا الأوان؟
فقال همام ضاحكا: أصدقت قصته؟
قالت: صدقتها، إذ لا شك عندي في قوله، فهو ما ينطق إلا بالصدق، ولي الثقة في روايته.
قال: أما عني فإني يصعب علي جدا أن أصدق قولا على شاب في سنه يرافق فتاة جميلة، ويخلو بها الشهور الطويلة خلوا من رقيب وعاذل، فلا يخرج عن العفاف والصيانة، فهذا واحد المستحيلات، ثم لو فرضنا الأمر صحيحا لاعتبره الناس عنوان التغفل والبله.
Shafi da ba'a sani ba