فقال الموبذان: نعم ما رأيت يا ولدي! فأسرع للعمل.
وأمر له بما يكفيه لصنع التماثيل، فأخذه وخرج، ثم جد في عمله.
أما الموبذان، فإنه استأذن على الملكة، فأذنت له، ولما تمثل بين يديها أخبرها بما تم بينه وبين التلميذ من الرأي، فراق ذلك لديها وشكرته، ومدته بمال، وقالت: كيف الرأي في إخفاء الأولاد؟
قال: يا مولاتي، لما تتم التماثيل نضعهم في محلهم ليلا، ونخرج الأطفال سرا، فلا يعلم بذلك أحد.
وكان «أرباسيس» سامعا لما دار بينهما، فقال: لا يتأتى لنا إخفائهم إلا بأحد أمرين: إما وضعهم في صناديق، وإما تغيير ألوانهم وملابسهم، وهذا الرأي عندي أسهل؛ لأنني أعرف مركبا لو طلي به جسم الإنسان يصير حبشي اللون، لا يفرق عن الحبش شيئا، ولو غسل بالماء يوميا لا يتغير إلا بعد شهر على الأقل.
فقالت «مندان»: لا عدمتك من أستاذ فاضل! تسعى بكل ما يرضي الربة.
واتفق رأيهم على ذلك، وانفض المجلس، وفي تمام الأجل المضروب أحضرت التماثيل، ووضعوهم داخل المعبد بغاية كل تحفظ، وأخرجوا الأولاد، وطلي جسمهم بذلك العلاج، وألبستهم ثياب الخدم، وسلمتهم للجاريتين، وأوصتهما بهم. وفي ثاني يوم احتفل بتقديم القربان للنار، وزين ذلك المكان، واصطفت العساكر، ولعبت في ساحة الهيكل، وذبحت الجذر على نفقة آباء الأولاد، وهم في فرح زائد كأنهم يقدمون أولادهم إلى حفلة العرس. ولما حان وقت تقديم الضحايا دخلت الملكة إلى داخل المعبد، ووقفت أمام النار، وأمرت ألا يقترب إليها أحد، ثم تقدم الموبذان، وأخرج أول طفل وقدمه أمام الملكة لأجل أن تتبرك به فمدت يدها، ومسحت على رأسه، وتلت بعض كلمات على مقتضى ديانة المجوس، وأمرت بأن يلقى في النار، ثم عجلت بإلقاء الاثنين الآخرين، وهللت الجموع، وأنشدوا الأناشيد التراجديه، وابتهج ذلك النادي كأنهم أدوا فريضة دينية.
وقد التهمتهم النار، وكانوا من الخشب المكسي بالجلد المدبوغ، ومطلي بدهان كلون الإنسان، وبعد أن فرغوا من تقديم الضحايا، ولعبوا الألعاب المختلفة، قدموا الطعام والشراب المروق فأكلوا وشربوا، وعزفت آلات الطرب، وتقدم بعد ذلك كافة الموجودين، وهنأوا آباء الأولاد بهذه النعمة التي نالوا بها رضاء الربة، وصار لهم بذلك الشرف الأعظم، ثم أجلسوهم في صدر المجلس، ووضعوا على رءوسهم أكاليل الزهور.
وبعد ذلك انصرف الجميع، وأنعمت الملكة على ذلك التلميذ الذي صنع التماثيل، وعلى جميع الخدم، وودعت الجميع، وانصرفت من ذلك المكان خوفا من أن ينكشف الأمر، ويصعب إصلاحه. وفي الحال حملت الحمول، وركبت الملكة، وساروا في طريقهم وقد فرحت وحمدت الباري تعالى الذي جعل خلاص هؤلاء الأطفال على يدها، وقدرها على حقن دمائهم الطاهرة البريئة من كل دنس.
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba