أمي الجليلة المحبوبة
لا يدهشك أنني عدت إلى بادن بادن؛ فقد وصلت هنا أمس، وإن كنت قد تأخرت جدا عن الحفلة المزرية التي كانت تربطني طول الحياة بامرأة لم أرها من قبل، ولست أعتقد أنني أحبها، وكان الغرض منها كما أعلم هو أن تحتفظي لي بذلك المستقبل الذي لا أشعر برغبة فيه. يا والدتي المحبوبة، حاولي أن تفكري في لا بصفتي ملك فرنسا غير المتوج، والذي لن يتوج، بل بصفتي ولدك، الذي يأتيك طامعا في حبك وعطفك. لقد فكرت طويلا في هذا الموضوع، وإني على ثقة يا أماه بأن الله لم يخلق في الاستعداد للسيادة والحكم، ولقد كانت إرادته ظاهرة من خلقه لي ضعيف الجسم والإرادة.
وربما ساورك من هذا يأس مرير؛ لأنني أعلم إلى أي حد ترغبين من كل قلبك في نجاح مشروعنا، ولكن الإنسان لا يمكنه أن يسير ضد طبيعته، وطبيعتي تتوق إلى السلم والهدوء بين ذراعي امرأة يمكنني أن أعطيها فؤادي، فلئن اتبعت مشورتك فكأني أضع الأساس لتعاستك ويأسك الشنيعين، وربما انتهى بك الأمر إلى أن يتحطم قلبك خجلا من ولدك وملكك.
على أنني لست أعرف ما جرى هنا في هذه الأيام الأخيرة؛ فقد علمت أن الكونت فريزن كان يسعى بجد في أن يأتي بي إلى هنا، ويخرجني من السجن الذي أبقاني فيه بوليس نابليون مدة ثلاثة أيام، خرجت بعدها إلى حيث رافقتني المرأة التي تفهمني وتقوي كل ضعفي.
أتوسل إليك بكل احترام، ألا تحاولي منعي عن إتيان ما أعتقد أنه الشيء الوحيد الصائب الذي أفعله؛ فلقد عولت على أن أتنازل عن حقوقي لعمي الدوق دي بوردو؛ الملك الشرعي الوحيد لفرنسا، والذي سيعتبر أمام الجميع رأس أسرة البوربون، وسيتوج إن شاء الله، وبمعاونتك، يوما ما في كنيسة ريمس. ولقد أرفقت بهذا نسخة من الإعلام الذي عولت على أن أرسله لجميع السلطات العليا في أوروبا. وإنه ليسعدني أنك بعد قراءتك له تبعثين لي بموافقتك عليه. لقد أتيت إلى بادن بادن لكي تسمحي بأن أتفاهم معك في هذا الموضوع شخصيا، وعلى كل فقد كتبت لك هذا بكل إخلاص واحترام، وغاية ما أرجوه الآن هو حبك.
ولدك البار لويس
وقرأ فريزن الخطاب بإمعان، وقد كرر بعض فقرات منه مرارا، وأخيرا نظر إلى السيدة وقد ذهبت نظرتها وزاد شحوب وجهها، وقد أعوزه ما يقوله لها؛ فلقد كانت المعضلة هي أن كل ما قاله لويس في خطابه كان حقا صريحا، وأن أمه على علم أكيد بهذه الحقيقة، وأن هذا هو الذي يحز في فؤادها الآن.
وفكر فيما يقوله إمبراطوره عن كل هذا، وإلى أي حد سيلومه على هذه الفضيحة، أجل وإنها لفضيحة أن يتنازل لويس عن حقوقه في العرش من أجل مغنية، ثم يعيش معها تحت سقف واحد. وأحس فريزن برغبة في أن يزأر عاليا، وربما كان قد فعل هذا لولا أن نظرت إليه السيدة، ثم قالت فجأة: هذا هو الشيء الوحيد الذي نفعله، يا فريزن .
وجمع الأوستوري شتات نفسه، وقال كأنما كان يحلم: ما هو يا سيدتي؟ - يجب أن يستمر ذلك الرجل في دوره، إني أكرهه ولكن لا بد من هذا، ألا ترى هذا؟ ألا ترى أنه لا بد ... - ولكن يا سيدتي ... - هناك متاعب، أعلم ذلك، لقد فكرت فيها جميعا منذ أن تسلمت هذا الخطاب المزري، وقد اقتنعت بها جميعا، لأني أظن أنه سوف يكون راغبا في ذلك. - هو؟ - أعني ولدي سيرل طبعا، ألم تره في الليلة الماضية؟ - طبعا رأيته. - إنني أعرف كيف أقرأ وجوه الرجال، فريزن، إن ولدي هذا يحب فيرونيك كريستوف.
فأقر فريزن: إنه يحبها فعلا. - هل قابلها من قبل؟ - لقد رسم صورتها، وأظنك يا سيدتي تذكرين أنني قلت لك هذا. - كنت قد نسيتها، ولكن على كل حال فإن هذا يؤكد ما رأيته في الليلة السابقة، ويجعله راغبا في أن يستمر في تمثيل دوره الملكي حتى ... - حتى ماذا يا سيدتي؟ - حتى يمكننا أن نتفاهم مع جلالته ونجعله يتعقل الأمر.
Shafi da ba'a sani ba