فقام فريزن وتبعه سيرل، ومد الأول يده فوضعها سيرل في يده، ونظر إليه الأوستوري نظرة مليئة بالمعاني وهو يتأمل قامته الممدودة وجسمه المتين، وقال في نفسه: كم يكون ملكا عظيما لو كان هو الولد الشرعي للملك المرحوم! ثم قال في صوت مسموع: أظن أنه يجب أن أذهب الآن، ولكني سوف أعود غدا في التاسعة صباحا، وللأسف فنحن لا يمكننا أن نسافر بقطار الصباح، إذ علي أن أستحضر الإذن لزيارة السجين، كما أنني أرى أنه من المستحسن أن تكون زيارتنا له في المساء.
وصافح سيرل بحرارة مرة أخرى ثم قال بحماس: إنني أخرج الآن أكثر سعادة مما دخلت، ولكنى لم أخبرك عما قد يلاقينا من مخاطر في هذا العمل.
فقاطعه سيرل في ابتسامة: لا حاجة لك بهذا. - إنني كنت أقصد بهذا أن أؤكد لك أن حكومتي لا بد ستعمل جهدها لكي لا تتركك تقاسي متاعب السجن طويلا.
فقاطعه سيرل مرة أخرى: سوف أجد حانوت الحلاق مغلقا إن لم أسرع بالذهاب إليه. - حسنا، حسنا! سوف لا أقول شيئا بعد هذا.
وضحك فريزن وهو يقول ذلك ثم اتجه إلى الباب وأردف بلطف وهو يشير بإصبعه: حذار أن تنسى حلاقة لحيتك وقص شعرك جيدا.
الفصل التاسع
غير أن سيرل لم يخرج ثانية في ذلك المساء؛ فقد قضى وقتا طويلا جدا ينظر إلى لا شيء وذهنه يحترق من الفكر، لقد كان يفكر في فيرونيك وهي تندب ضياع أحلامها، فيرونيك وهي تبكي بحسرة وخجل ... وكان تفكيره في أنه يستطيع أن ينقذها من الأسى والعار عزبا، لأنه كان سيفقدها على كل حال، لقد أعطى كلمته لصديقه وهو لا يأسف لهذا، فهي ستكون سعيدة، وربما تصبح يوما ما ملكة على فرنسا الملكة فيرونيك، زوجة لتعس خائر لا يقدر حتى جمالها ولم يدفعه إلى الزواج بها غير مال أبيها، ثم قال لنفسه: «لئن كان العرش لي، فإني أرضى بحبها بدلا عنه!»
وذهب إلى فراشه في وقت متأخر من الليل، ولم يدر ما إذا كان قد نام أم لا فقد أقضت نومه أحلام مزعجة سخيفة، وعلى هذا فقد استيقظ مبكرا في الصباح، وذهب في الساعة الثامنة إلى الحلاق، ولما نظر إلى المرآة بعد نصف ساعة، وجد أنه قد تغير بشكل عجيب، ثم قال لنفسه وهو يتأمل وجهه: «إنني قد أصبحت فعلا قريب الشبه جدا لأخي المخنث!»
وقال له الحلاق الذي أزال لحيته عابثا: إذا كان السيد قد ارتكب جريمة، فإن من السهل عليه بعد الآن أن يتحاشى البوليس، فلن يعرفه أحد الآن، أما أنا فسوف لا أقول شيئا.
ولما عاد سيرل إلى الاستديو، وجد برقية فوق المنضدة وضعتها الخادم إلى جانب صينية الإفطار، وأدهشه ورود برقية له، وإنه ليذكر أنه لم يتسلم طول حياته برقية من قبل، ولقد أمسك بها في يده يقلبها بين أصابعه وهو يحس بشيء من الخوف يمنعه عن فتحها، وفي ذلك الوقت دخلت الخادم وبيدها سلة مليئة بالخشب لتوقد النار، وإذا ما رأت سيرل أصدرت صيحة دهشة عالية وسقطت منها السلة، فأحدث الخشب صوتا مزعجا عند وقوعه على أرض الغرفة، ولم يدر سيرل في البدء سبب تأملها فيه هكذا بعينين جاحظتين مضطربتين، وأخيرا تذكر فضحك ضحكته المرحة التي لم تسمعها المرأة العجوز من زمن بعيد، فسألها: إنك لم تعرفيني يا أنجيل، أليس كذلك؟ - ل... ل... لا ... يا سيدي. - إنه أنا ... المسيو برتراند كما تعلمين يا أنجيل، الذي رسم الصور ثم بهرج في الاستديو.
Shafi da ba'a sani ba