أما أنا فلا، لقد فقدت كثيرا من قدراتي العقلية، ولو كانت موجودة حتى الآن لكنت استمتعت أيضا بالعمل.
أنا أستمتع بذلك.
هذا يرضيني، لا أشعر أني وحيد أو محبط. لقد مررت بأشياء مختلفة، وكانت لدي أشياء مختلفة، وحققت أشياء مختلفة. ليس الأمر بهذا السوء؛ ألا أكون اليوم قادرا على فعل الكثير.
أظن أنك تقلل من قيمتك، أما أنا فلا أقلل من شأنك أبدا. ما زال لديك الكثير، حتى ولو لم يكن القدرة على الإنجاز بالمعنى الدارج.
نعم، نعم، قديما كنت أفعل أشياء بناء على أفكاري، لكن الآن لا يحدث ذلك كثيرا. لا يهم. لو كنت متضايقا أو محبطا لطلبت منكم المساعدة، لكني راض تماما. كان لدي الكثير، لكن الآن - بل منذ فترة طويلة - لم أعد أرغب في شيء. ومنذ مدة طويلة تتقلص قدراتي وتقل إنجازاتي. عندما كنت شابا، كنت ناضجا وقادرا على فعل الكثير، أما الآن فالحقيقة هي أني لم أعد قادرا على فعل أي شيء، لا ... لا. أفشل في كل شيء أحاول القيام به؛ ومع ذلك فلست تعيسا تماما لعجزي عن فعل كثير من الأشياء؛ فقد ولت تلك الأيام ببساطة، وأشعر بسعادة عندما ينجح الآخرون، لكن قدراتي أنا انتهت.
الفصل الحادي عشر
أدى البيت مهمته، كبر فيه الأطفال ونضجوا، وظل ذلك البناء القديم متماسكا، حتى نقل أبي إلى دار المسنين. أصبح الآن كل شيء غريبا فيه ولا يتواكب مع صيحة العصر، وتعددت المواضع التي كانت تقلقنا فيه. كان أبي قد بنى البيت بيديه وتبعا لرؤيته، ومنذ السبعينيات وهو يضيف إليه ويغير فيه. ماذا أقول؟ مثل هذه البيوت يعد بصورة غير مباشرة بمثابة لوحة ذاتية لبانيها.
كان البيت يعطي انطباعا بأنه بدائي ومرقع. عندما كان أبي يضيف إلى البيت أو يعدل أجزاء منه لم يكن يطلب المساعدة إلا بعد فوات الأوان. في عمله كان قد تعلم على مدار عشرات السنين كل ما يحتاج إليه كي يؤدي عمله باستقلالية. وفي عمله في البيت كان يثق في أن لديه ما يكفي من الدراية، ولكن النجاح لم يكن يحالفه بصورة كاملة؛ ففي بعض الأماكن كانت توجد نواقص كبيرة، فضلا عن ذلك كان لدى أبي رفض مرضي للتخلص من أي شيء، وأصبح على الأبناء الآن القيام بذلك.
وافق عيد ميلاده الثالث والثمانون عطلة نهاية الأسبوع، ولأن جميع أفراد الأسرة كانوا حاضرين فقد جهزت أمي حاوية كبيرة أمام البيت؛ لرغبتنا في التخلص مما لا نحتاج إليه في البيت.
بدأ العمل بسرعة ودون جلبة. وقل ثقل الأمر على الجميع كلما قلت الأشياء من غرف التخزين، وكلما بدت الحديقة ومرأب السيارات في صورة أفضل. ولكن الذي أحبطنا هو عدم قدرة الحاوية على مواكبة ما قمنا به بشغف؛ فقد كانت تمتلئ بالكاد بعد ثلاث دورات؛ لذلك لم نمس المنطقة العلوية من البيت، وظل القبو ممتلئا بأشياء ظن أبي أنها ستنفع يوما، إلا أنها أصبحت بمرور الأيام غير ذات نفع. أحد الجيران، الذي استعرنا منه مشمعا لأن النشرة الجوية قالت إن الطقس سيسوء، أخبرنا محذرا من أنهم قد احتاجوا إلى حاويتين للأشياء التي تخلصوا منها في بيت والديه.
Shafi da ba'a sani ba