مثل تلك الردود كانت مريبة بالفعل.
قام أبي بعد ذلك وأخذ منديله بكل جدية واعتزاز وطواه، ثم ذهب إلى الشرفة الخارجية الموجودة خلف البيت. تبعته، ووقفنا صامتين ننظر إلى بحيرة بودينزيه جهة الغرب حيث كانت الشمس آخذة في الغروب ببطء، وكأن اليوم يأبى أن ينتهي. سحب خفيفة مرت فوق كنيسة جيبهارد أعلى الجبل وحولها كانت السماء زرقاء، وسمعنا حفيف أوراق شجرة البتول وضوضاء طريق الراين «إيه 14» تأتي من بعيد.
وكانت حديقة الفاكهة خلف بيت جدي، التي كنا ننظر إليها أسفل منا، تعج بالخضرة النضرة، وهناك كانت أشجار الفاكهة والمنحل تقف دون تغير منذ طفولتي وطفولته.
قلت له: «غدا ستتم عامك الثمانين.»
فسألني: «أنا؟» «نعم، أنت يا أبي، ستبلغ الثمانين.»
رد علي وهو يضحك غاضبا: «أنت بالتأكيد لا تعنيني أنا، لكن ربما أنت.» «أنا سأبلغ الثامنة والثلاثين يا أبي، أما أنت فستبلغ الثمانين غدا.»
كرر بمرح: «بالتأكيد لست أنا، لكن ربما أنت.»
وظللنا برهة هكذا حتى سألته كيف يشعر وهو في الثمانين من عمره، فقال لي: «لا يمكن أن أدعي أنه إحساس خاص.»
وبعد ساعتين جمعت مجددا بعض التوت، ثم اصطحبت أبي إلى فراشه واستسلمت أيضا للتعب، وسقطت في فراشي وأنا شبه فاقد للوعي من إرهاق الأيام الماضية ومن طول فترة قيادة السيارة.
في الصباح الباكر هنأت أبي على عيد ميلاده، وتقبل التهنئة بارتياح وشكرني. عندما جلس على حافة السرير في ملابسه الداخلية قلت له إن أباه لم يبلغ هذه السن، فنظر إلي مندهشا ثم ابتسم ابتسامة عابرة لم أفهم معناها. قلت له إننا نرغب في الاحتفال بعيد ميلاده في الأبرشية، فسألني: في أيها؟
Shafi da ba'a sani ba