ومنهم من تساءل: إذا صح أنه كان في الماء سم، فمن أين للكاهن أن يكتشف ذلك قبل أن يشرب الماء؟
وإذا كان قد اكتشف السم قبل أن يذوقه، أفلا يكون له سابق علم بالدسيسة؟
وكيف لا يسيء الظن بالماء، فيقول إن الماء عكر؟
أما أبو طنوس، فلم يكن من المرتابين بسلامة نية الرئيس، ولا من الذين صدقوا التهمة بغضا بالمعاون، أو أنكروها كرها برئيسه؛ بل قال: «كثيرا ما يدس الرهبان السم بعضهم لبعض إما نكاية وتشفيا، وإما طمعا بمنصب رفيع. والكهان فصيلتان من عائلة واحدة، فلا يستغرب إذا كانوا يحملون سمومهم إلى نيويورك.»
هذا هو أبو طنوس عدو الإكليروس، ولم يكن لازما ساكتا، بل كان متعديا متحركا؛ أي إنه لم يكن يكرههم كره من يتجنبهم ويسكت، بل كان يكرههم ويحمل عليهم كل ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وإن لبغضه هذا الشديد الأعمى أسبابا عديدة، سنكشف الستار عن أهمها. لم يكن أبو طنوس ليفرق بين الكاهن الفاضل والكاهن الفضولي. لم يكن ليميز بين التقي العالم، والجاهل المحب لنفسه؛ لأنه لم ير في حياته كلها «أبا» يستحق الاحترام. لم ير قط واحدا من أولئك الأفاضل خريجي مدرسة «البراباغندا» بروما، ومدرسة «سان سلبيس» بباريس، أولئك الذين يقلمون أظافرهم على «الموضة»، ويطيبون لحاهم، ويلبسون الحذاء اللماع ذا البكلة المذهبة.
قبل أن هاجر أبو طنوس إلى أميركا كان مكاري دير من أديرة لبنان، فلم تتح له الفرص أن يتعرف إلى غير القسس، وبعض الكهنة القدماء الذين لا يحسنون الصلاة إذا هم غضبوا. وفي الولايات المتحدة لم يكن ليرى غير المرسلين الذين شاءت حكمة البطريرك أن تبعدهم عن الجبل.
ومن المعلوم لدى العارفين بشئون الإكليروس في الوطن أن الكاهن الفاضل، العالم، التقي، النقي، لا يرغب في هجر وطنه. ولذلك أسباب منها أن الكاهن الفاضل طموح، يريد أن يكون أفضل مما هو - يريد أن يرتقي إلى مقام الأسقف، إلى السدة البطريركية؛ فإذا هجر وطنه، هجر كذلك مطامعه الدينية والسياسية.
فمن أين لأبي طنوس أن يدرك ذلك؟ وكيف يعرف الكاهن الفاضل إذا كان خبره وخبره ما ذكرنا؟ أما إذا قلنا إن أبا طنوس متحامل، متعصب على الإكليروس، فنقول إنه لا يلام. ولعله إذا عرف مثلنا بعض المحترمين، أصحاب الزنانير الأرجوانية، يلطف في تعصبه، ويخفف من شنآنه؛ بيد أن لهذه الشنآن، وذاك التعصب أسبابا طبيعية واجتماعية.
أبو طنوس قاطع البحار والسائح في ما وراءها من الديار.
Shafi da ba'a sani ba