كان إلى الكمال أقرب وهو به أحق، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه أضعف كان على الكمال أبعد وبالباطل أحق، والكامل هو من كان لله أطوع، وعلى ما يصيبه أصبر فكلما كان اتبع لما يأمر الله به ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه وصبر على ما قدره وقضاه كان أكمل وأفضل، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك وقد ذكر الله تعالى الصبر والتقوى جميعًا في غير موضع من كتابه، وبين أنه ينتصر العبد على عدوه (١) من الكفار، المحاربين المعاهدين والمنافقين وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة، قال الله تعالى: " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " وقال الله تعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ".
وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ولا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالًا ودواماعنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط " وقال أخوة يوسف له: " إنك لأنت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " وقد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عمومًا
_________
(١) المعنى الذي يقتضيه المقام - أنه ينصر العبد الصابر على عدوه الخ وقوله يعده المحاربين المعاهدين غير ظاهر فإن المعاهد غير المحارب ولعله المعاندين - أو- "والمعاهدين "بالعطف بمعنى أنه ينصر الصابرين على المحاربين بالحرب وعلى
المعاهدين بالحجة والبرهان. ولا شك في كون الصبر من أسباب النصر فإذا تساوت جميع قوى الخصمين أو تقاربت وكان أحدهما صبورًا والآخر جزوعا فإن الفوز يكون للصبور قطعًا بل كثيرًا ما يغلب الصبور غيره ممن لديه من القوى الأخرى
ما يفوقه به
1 / 8