ولهذا قال: وأنتم ذلك، فإنه جعل العبد هالكًا أي لا وجود له فلم يبق إلا وجود الرب، فقال: وأنتم ذلك، وكذلك قال: الله فقط والكثرة وهم. فإنه على قوله لا موجود إلا الله، ولهذا كان يقول هو وأصحابه في ذكرهم ليس إلا الله بدل قول المسلمين: لا إله إلا الله، وكان يسميهم الشيخ قطب الدين بن القسطلاني الليسية، ويقول احذروا هؤلاء الليسية، ولهذا قال: الكثرة وهم. وهذا تناقض فإن قوله وهم يقتضي متوهمًا فإن كان المتوهم هو الوهم فيكون الله هو الوهم وإن كان المتوهم هو غير الوهم فقد تعدد الوجود. وكذلك: إن كان المتوهم هو الله فقد وصف الله بالوهم الباطل، وهذا مع إنه كفر فإنه يناقض قوله الوجود واحد، وإن كان المتوهم غيره فقد أثبت غير الله وهذا يناقض أصله، ثم متى أثبت غيرًا لزمت الكثرة فلا تكون الكثرة وهما بل تكون حقًا.
والبيتان المذكوران عن ابن عربي مع تناقضهما مبنيان على هذا الأصل فإن قوله: يا صورة إنس سرها معنائي، خطاب على لسان الحق يقول لصورة الإنسان يا صورة إنس سرها معنائي، أي هي الصورة وأنا معناها. وهذا يقتضي أن المعني غير الصورة وهو يقتضي التعدد والتفريق بين المعنى والصورة فإن كان وجود المعنى هو وجود الصورة كما يصرح به فلا تعدد، وإن كان وجود هذا غير وجود هذا تناقض وقوله: ما خلقك للأمر ترى لولائي، كلام مجمل يمكن أن يراد به معنى صحيح أي لولا الخالق لما وجد الكلفون ولا خلق لأمر الله، لكن قد عرف أنه لا يقول بهذا. فإن مراده الوحدة والحلول والاتحاد، ولهذا قال:
شئناك فأنشأناك خلقًا بشرًا ... كي تشهدنا في أكمل الأشياء
1 / 78